ويكون السياق فيهما جاريا على الأسلوب العربي الفصيح الذي له نظير في القرآن، كقوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[آل عمران: الآية١٦٤] أي: من جنسهم، وبهذا التفسير الواضح البين يسلم الإنسان من إشكالات كثيرة.
أما على القول الثاني بأن المراد بقوله تعالى:{مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أي: آدم، {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[النساء: ١] حواء، فيكون معنى الآية خلقكم من آدم وحواء.
فلما جامع حواء حملت حملا خفيفا، فمرت به، فلما أثقلت دعوا -أي آدم وحواء - الله ربهما {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ} فأشرك آدم وحواء بالله، لكن قالوا: إنه إشراك طاعة لا إشراك عبادة {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، وهذا التفسير منطبق على المروي عن ابن عباس رضي الله عنه، وسنبين إن شاء الله تعالى وجه ضعفه وبطلانه.
وهناك قول ثالث: أن المراد بقوله تعالى {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أي: آدم وحواء {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} انتقل من العين إلى النوع أي: من آدم إلى النوع الذي هم بنوه، أي: فلما تغشى الإنسان الذي تسلل من آدم وحواء زوجته ... إلخ، ولهذا قال تعالى:{فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} بالجمع ولم يقل عما يشركان، ونظير ذلك في القرآن قوله تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ}[الملك: ٥] أي جعلنا الشهب الخارجة منها رجوما للشياطين وليست المصابيح نفسها، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}[المؤمنون: ١٢ - ١٣] أي جعلناه بالنوع،