للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك قوله عز وجل: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: ٤٦] ١ وإنما هو في الحقيقة عنده الذليل المهان؛ ولكن تقديره -والله أعلم-: إنك أنت الذي يقول له رهطه وعشيرته: أنت عزيز كريم. وكذلك قوله تعالى أيضًا: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [الزخرف: ٤٩] ٢؛ وإنما قالوا هذا بعد إيمانهم به؛ ولكن تقديره -والله أعلم- يا أيها الساحر عند أولئك القوم الذين يدعونك ساحرًا؛ فأما نحن نعلم أنك لست ساحرًا.

وعلى تأول أهل النظر قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: ١٤٧] ٣ قالوا: معناه وأرسلناه إلى جمع لو رأيتهم لقلتم أنتم فيهم: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون.

فهذا الشك إنما دخل الكلام على الحكاية لقول المخلوقين؛ لأن الخالق جل جلاله وتقدست أسماؤه لا يعترضه الشك في شيء من خبره.

وهذا ألطف وأوضح معنى من قول قطرب: إن "أو" بمعنى الواو، ومن قول الفراء٤: إن "أو" بمعنى "بل"؛ فهذا ما احتملته هذه الآية من القول.

واعلم أن اللام قد لحقت من الحروف موضعين، جاءت في أحدهما للتوكيد، وفي الآخر للتوصل إلى النطق بالساكن.

الأول نحو قولك: "لعل زيدًا قائم"؛ إنما هو "عل"، واللام زائدة مؤكدة.


١ أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه التحقير.
وقوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ} أسلوب توكيد.
والشاهد فيه: أي أنك أنت الذي كان يقول له أهله وعشيرته أنت عزيز كريم.
٢ أي قال فرعون وملؤه لموسى: "يا أيها الساحر" وعنوا بـ "الساحر" في هذا الموضع: العالم؛ إذ لم يكن السحر عندهم ذمًا مختصر تفسير الطبري "ص٤٣٢".
وقولهم: {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ} أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه التقرير، وقولهم: "ادع" أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه التعجيز.
٣ أي أننا أرسلنا ذا النون إلى قوم، لو رأيتموهم لقلتم أنهم مائة ألف أو يزيدون.
والآية كناية عن الكثرة العددية.
٤ ذكر ذلك الفراء في معاني القرآن "٢/ ٣٩٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>