للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المزجور مجيبًا: ما هو إلا الحق؛ فتقول أنت منكرًا عليه ومتعجبًا منه: هذا يقول: الباطل حق، ويقول: الغي رشد، وهو لم يقل إنه باطل، والا إنه غي، بل هو يعتقد فيه ضد البطلان والغواية١؛ ولكن صار تقديره: هذا يقول: إن ما يفعله- وهو باطل عندي - حق عنده؛ فسميته باطلًا على طريق الحكاية لا على أنه على الحقيقة عنده باطل، وكيف يجوز أن يعتقد فيه أنه باطل، ثم يعتقد مع ذلك أنه حق، هذا ظاهر التناقض.

فكذلك قوله عَزَّ اسْمُهُ: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} [الحج: ١٣] ٢ معناه: يقول: إن معبوده الذي ضره أقرب من نفعه عندي إله عنده، وقد جاءت هذه الحكاية عنهم مجيئًا متسعًا.

أنشدني أبو علي لرجل يهجو جريرًا٣:

أبلغ كليبًا، أبلغ عنك شاعرها ... أني الأغر وأني زهرة اليمن٤

فقال جرير مجيبًا:

ألم تكن في وسوم قد وسمت بها ... من حان موعظة يا زهرة اليمن٥

فسماه زهرة اليمن على مذهب الحكاية لقوله، أي: يا من قال إني زهرة اليمن، ولست عندي كذلك.


١ الغواية: الإمعان في الضلال. القاموس المحيط "٤/ ٣٧٢".
٢ سبق التعليق عليها.
٣ جريرًا: يقال أن هذا الرجل الذي يهجو جريرًا هو زهرة اليمن. انظر/ الخصائص "٢/ ٤٦١".
٤ أبلغ: أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه التعظيم.
الأغر: الرجل الذي كرمت فعاله واتضحت؛ فهو أغر وهي غراء. "ج" غر.
زهرة اليمن: كناية عن التلألأ والإشراق، والأزهر كل أبيض صاف مشرق مضيء، وزهرة اليمن أي بهجتها ومتاعها.
٥ ألم تكن: أسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التحقير.
يازهرة اليمن: أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه التهكم والسخرية.
الشاهد فيه قوله "يازهرة اليمن" والتقدير أي يا من قال إني زهرة اليمن.
وانظر/ ديوانه "ص٧٤٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>