للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفد الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد١

ألا ترى أن التقدير فيه: "وكأنْ قد زالت"؛ فقطع "قد" من الفعل كقطع "أل" من الاسم. وعلى هذا قالوا أيضًا فى التذكر: "قام اَلِي" إذا نويت بعده كلامًا، أي: الحارث أو العباس؛ فجرى قولك في التذكر: "قدي"، أي: قد انقطع، أو قد قام، أو قد استخرج ونحو ذلك.

وإذا كان "اَلْ" عند الخليل حرفًا واحدًا؛ فقد كان ينبغي أن تكون همزته مقطوعة ثابتة كقاف "قد" وباء "بل"؛ إلا أنه لما كثر استعمالهم لهذا الحرف؛ عرف موضعه؛ فحذفت همزته، كما حذفوا "لم يَكُ"، و"لا أدرِ"، و"لم أبلْ".

ويؤكد هذا القول عندك أيضًا أنهم أثبتوا هذه الهمزة بحيث تحذف همزات الوصل البتة؛ وذلك نحو قول الله عز وجل: {أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: ٥٩] ٢،


١ البيت للنابغة الذبياني وقد عثرنا عليه في ديوانه "ص/ ٩٣" بشرح الطاهر بن عاشور.
الترحل: الرحيل.
ركابنا: الركاب للسرج ما توضع فيه الرجل.
والركاب: الإبل المركوبة أو الحاملة شيئًا.
رحالنا: "م" رَحْل: وهو ما يوضع على ظهر البعير للركوب.
يقول الشاعر: إن ميعاد الرحيل قد أزف وآن؛ رغم أن ركابنا لم تزلْ برحالنا.
الشاهد فيه تقدير: "وكأن قد زالت"؛ فقطع "قد" من الفعل هنا كقطع "ال" من الاسم.
إعراب الشاهد: قد: حرف توكيد مبني.
٢ يروى فى هذه الآية أن أبا الأحوص وهو عوف بن مالك بن نضلة حدث عن أبيه قال: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا رث الهيئة فقال: هل لك مال؟ قلت: نعم، قال من أي المال؟ قال: قلت: من كل المال: من الإبل والرقيق والخيل والغنم، فقال: "إذا آتاك الله مالًا؛ فليُرَ عليك"، وقال: "هل تنتج إبلك صحاحًا آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع أذنها فتقول هذه بحر، وتشق جلودها وتقول هذه صرم، وتحرمها عليك وعلى أهلك؟ "قال: نعم، قال: فإن ما آتاك الله لك حل"، وقد أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم الله لمجرد الأهواء والآراء التي لا مستند لها ولا دليل عليها. تفسير ابن كثير "٢/ ٤٢١".
والأسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التهكم والسخرية من أولئك الذين يحرمون ما أحل الله أو العكس، وأيضًا إنكار ذلك عليهم؛ إذ لا حجة لتحريمهم ما حرموا أو حل ما أحلوا.
والشاهد في الآية: حذف همزة الوصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>