يسعى إلى تحقيقه. أما المقال الصحفي فإنه يهدف أساسا إلى التعبير عن أمور اجتماعية وأفكار عملية، بغية نقدها أو تحبيذها. وهو على كل حال يرمي إلى التعبير الواضح عن فكرة بعينها. فكأن الوظيفة الاجتماعية الفكرية في المقال الصحفي تتقدم على أية ناحية أخرى كالمتعة الفنية مثلا.
حقيقة أن المقال الأدبي قد يتناول أحيانا موضوعات اجتماعية أو سياسية أو غيرها -وقد جاء هذا التطور الأدبي نفسه متأثرا بالصحافة- ولكن هذه الموضوعات لا تخرج عن كونها نقطا للارتكاز، ينفذ منها الكاتب نحو هدفه الأسمى، وهو التأثير الجمالي. وكذلك المقال الأدبي قد يكون جميلا -وهنا أيضا يبدو تأثره بالمقال الأدبي واضحا- إلا أن هدفه الأول ليس جماليا خالصا، وإنما هو بالدرجة الأولى اجتماعي فكري.
فالفرق بين المقال الأدبي والمقال الصحفي يتمثل في الفرق القائم بين الفن الجميل كالتصوير والنحت والزخرفة والشعر، والفن التطبيقي كالعمارة والأثاث والحفر وغيرها وكلاهما فن لا شك فيه، إلا أن الأول يستغل خامات اللون واللفظ للوصول إلى الجمال، أما الثاني فلا بد أن يدخل في اعتباره أمورا عملية فنية اجتماعية. فالمقال الأدبي كالفن الجميل لا يلقي بالا إلا إلى قواعد الإنتاج الفني الخالص، أما المقال الصحفي فلا بد أن يراعي أمورا متعددة كمستوى القراء وثقافتهم، وسياسة الصحيفة، وقوانين المطبوعات والرقابة والتعبير المبسط عن الأفكار المعقدة لتلائم السواد الأعظم من الشعب.
وبينما يكتب الأديب لطائفة من الناس تعشق فنه، في الوقت الذي يشاء، بغية التأثير تأثيرا جماليا، إذا بالصحفي يكتب لكل الناس، وفي كل وقت سواء راقه أو لم يرقه. ولعل أهم ما يميز الأديب عن الصحفي أن هذا الأخير يفترض دائما قارئا وهميا متوسط الثقافة عادي الذكاء، ويكتب بأسلوب يفهمه العامة ولا ينفر من الخاصة، ويتحدث إلى عقل القارئ مباشرة في وضوح ويسر، أما الأديب فلا حاجة له أن يتقيد بهذه القيود، فهو حر يكتب بالأسلوب الذي يجيده، ويتحدث بالطريقة التي يتقنها. ثم إنه غير مسئول بعد ذلك إذا عجز عن فهمه بعض الناس أو اقتصر تذوق أدبه على طائفة مثقفة دون غيرها.