للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، ولا تأمرهُ بالجُلُوس، فإذا رَأى أهْل الشَّام هذا سَقَطَ من أعْيُنهم، ففَعَل، فأَذِنَ للنَّاسِ إذْنًا عامًّا، وحَجَبَ زَيْدًا وأَذِنَ له في آخر النَّاسِ، فدَخَل فقال: السَّلام عَليْك يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، فلَم يردّ عليه، فقال: السَّلام عَليْك يا أحْوَلُ إذْ لَم تَرَ نفسَكَ أهْلًا لهذا الاسْم!؟ فقال له هِشَام: أنْتَ الطَّامعُ في الخِلَافَة وأُمُّكَ أمَةُ؟ فقال: إنَّ لكَلامِكَ جَوَابًا (a)، قال: وما جَوَابكَ؟ قال: لو كان في أُمِّ الوَلد تَقْصيرُ لَمَا بَعَثَ الله إسْمَاعِيْل نَبيًّا وأُمُّه هَاجر، فالخِلَافَة أعْظَم أم النُّبُوَّة؟ فأُفْحِم هِشَام، فلمَّا خَرَج قال لجلُسَائهِ: أنتُم القَائلُون إنَّ رِجَالات هاشِمِ هَلَكَت، والله ما هَلَكَ قَوْمُ هذا منهم! فردَّه، وقال: يا زَيْد، ما كانت أُمّكَ تَصْنع بالزَّوْج ولها ابن مثْلُك؟ قال: أرادَتْ آخرَ مثْلي، قال: ارفَعْ إليَّ حَوَائِجكَ، فقال: أمَا وأنتَ النَّاظِر في أُمُور المُسْلمِيْن فلا حاجَةَ ليّ، ثمّ قام فَخَرَجَ، فأتْبَعه رَسُولًا وقال: اسْمعَ ما يَقُول، فتَبِعَه فسَمِعَهُ يَقول: مَنْ أحبّ الحَيَاة ذَلّ، ثمّ أنْشَأ يَقُول: [من البسيط]

مَهْلًا بَني عَمِّنا عن نحْتِ أَثْلَتنَا … سِيْروا رُوَيْدًا كما كُنْتُمْ تَسِيرُونا

لا تطْمَعُوا أنْ تُهينُونا ونُكْرِمكُمْ … وَأنْ نكُفَّ الأذَى عَنْكُمْ وتُؤذُونا

الله يَعْلَمُ أنَّا لا نُحِبُّكُمُ … ولا نَلومُكُمُ أنْ لا تُحبُّوْنَا

كُلُ امْرِئٍ مُوْلَعٌ في بُغْضِ صَاحِبِهِ … فنَحنُ واللهِ (b) نَقْلُوكُمْ وتَقْلُونا

ثُمَّ حَلَفَ أنْ لا يَلْقَى هِشَامًا، ولا يَسْألَهُ صَفْرِاءَ ولا بَيْضاءَ، فخَرَجَ في أرْبَعة آلاف بالكُوفَة، فاحْتَال عليه بعضُ مَنْ كان يَهْوَى هِشَامًا ودَخَلُوا (c) عليه، فقالُوا: ما تقُول في أبي بَكْرٍ وعُمَر؟ فقال: رحِمَ اللهُ أبا بَكْرٍ وعُمَر صَاحِبَي رسُول الله صَلَّى الله عليه وسلَّم، أين كُنْتم قَبْل اليَوْم؟ قالوا: ما نَخْرُج معك أو تَتَبرَّأ منهما، قال: لا أفْعَل؛ همُا إمَاما عَدْلٍ، فتفرَّقُوا عنه، وبَحَثَ هِشَامُ إليهِ فقَتَلُوهُ، فقال


(a) زيد بعده في تاريخ ابن عساكر: "فإن شئتَ أجَبتُ".
(b) ابن عساكر: نحمد الله.
(c) الأصل: ورحلوا، والمثبت من ابن عساكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>