للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): وحَدَّثَنَا النَّصْريّ (a) أبو عَبْد اللَّه، وكان يَكْتُب النَّوْبَة للمُهَلَّبِيّ، بحَدِيثٍ مُفِيْدٍ (b) لأبي سَعيد؛ قال: كُنْتُ أَخُطُّ بين يَدَي الصَّيْمَرِيِّ أبي جَعْفر مُحَمَّد بن أحمد، فالْتَمَسَني يَوْمًا لأنْ أُجِيْبَ ابن العَمِيْد أبا الفَضْل عن كتاب فلم يَجْدني، وكان أبو سَعيد بحَضْرته، فبانَ أنَّهُ بفَضْل العِلْم أقْوَمُ بالجَوَاب من غَيْره، فتقَدَّم إليه أنْ يَكْتُبَ ويُجِيْبَ، فأطالَ في عَمَل نُسْخَة كَثُر فيها الضَّرْب والإصْلَاح، ثمّ أخَذَ يُحَرِّرُ، والصَّيْمَرِيُّ يَقْرأ ما يكتُبه، فوَجَدَهُ مُخالِفًا لجَارِي العَادَة لَفْظًا، مُبَاينًا لِمَا يُؤثره (c) تَرْتَيبًا، قال: ودَخَلْتُ في تلكَ الحالِ، فتَمَثَّلَ الصَّيْمَرِيُّ: [من البسيط]

يا بَارِيَ القَوس بَرْيًا ليسَ يُصْلِحُهُ … لا تَظْلم القَوْسَ واعْطِ القَوْسَ بَارِيها

ثُمَّ قال لأبي سَعِيْد: خَفِّفْ عليك أيُّها الشَّيْخ، وادْفَع الكتَابَ إلى أبي عَبْد اللَّه تِلْمِيْذِكَ ليُجِيْبَ عنه! فخَجِلَ من هذا القَوْل، فلمَّا ابتَدَأتُ من غير نُسْخَة تَحَيَّرَ منِّي أَبو سَعِيد، ثمّ قال للصَّيْمَرِيّ: أيُّها الأُسْتَاذ، ليس بمُسْتَنْكَر ما كان منِّي، ولا مُسْتَكْثَر ما كان منهُ، إنَّ مالَ الفَيءَ لا يَصِحُّ إلَّا من مُستَخرِج وجَهْبَذٍ في بَيْتِ المَالِ، والكُتَّابُ جَهَابذَةُ الكَلَام، والعُلَمَاء مُسْتَخْرجُوهُ، فتَبَسَّم الصَّيْمَريُّ وأعْجَبَهُ ما سَمع، وقال: على كُلِّ حالٍ ما أخْلَيْتَنا من فَائِدَة.

وكان أبو سَعيد بَعِيْدَ القَرِين؛ لأنَّهُ كان يُقْرَأ عليه القُرْآنُ والتَّفْسِيرُ (d) والفِقْه والفَرَائِضُ والشُّرُوط والنَّحو واللُّغَة والعَرُوض والقَوَافي والحِسَابُ والهَنْدَسَةُ والشِّعْرُ (e) والحَدِيْث والأخبار، وهو في كُلِّ هذا إمَّا في الغايةِ وإمَّا في الوَسَط.


(a) في الأصل: النفري والمثبت من الإمتاع (وفي أصوله: البقري)، ومعجم الأدباء ٣: ٨٧٩.
(b) الإمتاع والمؤانسة: مُفَنّد.
(c) الإمتاع والمؤانسة: لما يريده.
(d) ليست في كتاب الإمتاع والمؤانسة.
(e) ليست في الإمتاع والمؤانسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>