للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْزِلُ فأُكلِّمك وأنا آمنٌ؟ قال زيادٌ: نعم، فنزَل الأشْعَث من النُّجَيْر فخَلا بزياد فقال: يا ابنَ عَمّ، قد كان هذا الأمرُ ولم يُبارك لنا فيه، ولي قَرَابَةٌ ورَحمٌ، وإنْ وَكَّلتني إلى صَاحِبكَ قتَلَني -يعني المُهاجر بن أبي أُمَيَّة- إنَّ أبا بَكْر يَكْرهُ قَتْل مثْلي، وقَد جاءك كتابُ أبي بَكْر يَنْهاك عن قَتل المُلُوك من كِنْدَة، فأنا أحَدُهُم، وأنا أطلُبُ منكَ الأمَان على أهْلي ومالي (a) ، فقَال زِيَادُ بن لَبِيْد: لا أُؤمّنُكَ أبدًا على دَمِكَ وأنت كُنْت رأس الرِّدَّة، والّذي نقضَ علينا كِنْدَةَ، فقَال: أيُّها الرَّجُل، دع عنك ما مَضىَ، واسْتَقْبِل الأُمُورَ إذا أقبلَتْ عليك، فتُؤمِني على دَمِي وأهْلي ومالي حتَّى أقدمَ على أبي بَكْرٍ، فيَرَى فيَّ رأيَهُ؟ فقال زيادٌ: وماذا؟ قال: وأفْتَح لك النُّجَيْر، فأَمَّنَهُ زِيادٌ على أهْلِهِ ودَمِهِ ومَالِه، وعلى أنْ يَقْدَمَ به على أبي بَكْر، فيَرى فيه رأيه ويفتْحَ له النُّجَيْر.

قال مُحَمَّد بن عُمَر (١): وهذا أثبَتُ عند أصْحَابنا من غيره. وقد حَدَّثني صَدَقَةُ بن عُتْبَهَ، عن عَطَاء بن أبي مَرْوَان، عن أَبيهِ، عن جَدّه أبي مُغِيْث (b)، قال: كُنْتُ فيمَن حَضَر أهْلَ النُّجَيْر فصالحَ الأشْعثُ زيادًا على أنْ يُؤمنَ من أهْل النُّجَيْر سَبْعِين رجُلًا، ففَعَل، فنَزَل سبعُون ونزل معهم الأشْعَث، فكانوا أحدًا وسَبْعِين فقال له زياد: أقتُلكَ، لَم يكن لك أمانٌ، فقال الأشْعَثُ: تُؤمنُني على أنْ أقْدَمَ على أبي بَكْر فيَرَى فيَّ رأيَهُ، فآمنَهُ على ذلك.

وقيل: إنَّ السَّبْعين نزلُوا واحدًا واحدًا، فلمَّا بقي هو قام إليه رَجُلٌ واحدٌ، فقال: أنا معك، قال: إنَّ الشَّرْط سبعُون، ولكن كن فيهم وأنا أتخَلَّف فآثره بالحياة، وتَخلّفَ هو فيمَن تَخَلَّفَ أسِيْرًا، فاللَّهُ أعْلَمُ.


(a) في طبقات ابن سعد: الأمان عليَّ.
(b) طبقات ابن سعد: أبي معتب.

<<  <  ج: ص:  >  >>