للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسَانًا، فمنَعَه حَارِثَةُ بن سُرَاقَة بن مَعْدِي كَرب العَبْدِيّ (a) أنْ يصدَّقَ (b) غُلامًا منهم، وقام فَحَلَّ عقال البَكْرَة الّتي أُخِذَت في الصَّدَقَة، وجَعَل يقُول: [من الرجز]

يمنَعُها شَيْخٌ بخَدَّيْهِ الشَّيَبْ … مُلَمَّعٌ كما يُلَمَّعُ الثَّوَبْ

ماضٍ على الرَّيْب إذا كان الرَّيْب

فنَهَض زِيَاد بن لبَيْد وصَاح بأصْحَابهِ المُسْلميْن، ودَعَاهم إلى النُّصْرة للَّهِ ولكتابهِ، فانحازت طائفةٌ من المُسْلِميْن إلى زِيَاد، وجعل مَنْ ارتدَّ يَنْحازُ إلى حَارِثَة، فإن زِيَادٌ يُقَاتلُهُم النَّهَار إلى اللَّيْل، فقاتلَهُم أيَّامًا كَثِيْرةً.

وضَوَى إلى الأشْعَث بن قيس بَشَرٌ كَثِيْرٌ، فتحصَّن بمَن معه، ممَّن هو على مثْل رَأيهِ في النُّجَيْر (c)، فحاصَرَهُم زِيَادُ بنُ لَبِيْد، وقَذَف اللَّهُ الرُّعْبَ في أفْئدتهم، وجَهِدَهُم الحِصَار، فقال الأشْعثُ بن قَيْسٍ: إلى مَتَى نُقيم في هذا الحِصْن؟ قد غَرِثْنا (d) فيه، وغَرِثَ عيَالُنا، وهذه البُعُوث تَقْدِم عليم ما لا قِبَلَ لنا به، واللَّهِ للمَوْتُ بالسَّيْف أحْسَنُ من المَوْت بالجُوْع، ويُؤْخَذُ برقَبةِ الرَّجُل كما (e) يُصْنعُ بالذُّرِّيَّة، وقالوا: وهل لنا قُوَّة بالقَوْم؟ ارْتأي لنا فأنت سَيِّدُنا، قال: أنْزل فآخذ لكم أمانًا تأمنُونَ به قبل أنْ تدخُل عليم هذه الأمْدَاد ما لا قِبَل لنا به ولا يَدَان (f).

قال: فجَعل أهلُ الحِصْن يقُولونَ للأشْعَث: افْعَل، فخُذ لنا الأمَان؛ فإنَّهُ ليس أحدٌ أحْرَى أنْ يَقْدر على ما قِبلَ زِيَاد منك، فأرْسَل الأشْعَث إلى زياد:


(a) ابن سعد: الكندي.
(b) قوله: "أن يصدق" ساقط من ب.
(c) كذا مجودًا في الأصل، وب، ومثله عند ابن سعد (مصدر الرواية) والطبري (تاريخه ٣: ٣٣ وما بعدها) وياقوت الحموي (معجم البلدان ٥: ٢٧٢)، وضبطه ابن العديم في بعض المواضع التالية بفتح النون. والنُّجَيْر: تصغير النجر، حصن منيع باليمن قرب حضرموت، وفي رسمها ذكر ياقوت خبر الأشعث بن قيس وخبر ارتداده وإرساله مقيَّدًا إلى أبي بكر الصديق. انظر: معجم البلدان ٥: ٢٧٢ - ٢٧٤.
(d) الغَرَثُ: الجوع. لسان العرب، مادة: غرث.
(e) طبقات ابن سعد: فما.
(f) ب: ولا بد أن.

<<  <  ج: ص:  >  >>