للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، واسْتُخلفَ أبو بَكْر، كتَبَ إلى زِيَادٍ يُقرُّه على عَمَلهِ، ويأمره أنْ يُبَايعَ مَنْ قِبَلَهُ، ومَنْ أبَى وطئَهُ بالسَّيْف، ويَسْتعِينُ بمَنْ أقْبَل على مَنْ أدْبَر، وبَعَثَ بكتابه إليه مع أبي هِنْد البَيَاضِيّ.

فلمَّا أصْبَح زِيَادٌ غَدا فنَعى رسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم إلى النَّاس، وأخَذَهم بالبَيْعَة لأبي بَكْر وبالصَّدَقَةِ، فامْتَنع قَوْم من أنْ يعطُوا الصَّدَقَة، وقال الأشْعَث بن قَيْسٍ: إذا اجْتَمع النَّاسُ فما أنا إلَّا كأحَدهم (a)، ونَكصَ عن التَّقَدُّم إلى البَيْعَة، فقال له امْرؤ القَيْس بن عَابِس الكِنْدِيّ: أُنشدُكَ اللَّهَ يا أشْعَثُ ووفَادتَك على رسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم وإسْلَامك أنْ تَنْقُضَه اليَوْم، واللَّهِ ليقُومنَّ بهذا الأمْرِ من بعده مَنْ يقُتلُ مَنْ خالفَهُ، فإيَّاكَ إيَّاك، وابْقِ على نَفْسك؛ فإنَّك إنْ تقَدَّمْتَ تقدَّمَ النَّاسُ معك، وإنْ تأخَّرْتَ افْتَرقُوا واخْتَلَفُوا، فأبَى الأشْعَثُ وقال: قد رَجَعتِ العَرَبُ إلى ما كانت الآباءُ تَعْبُد، ونحنُ أقْصَى العَرَب دارًا من أبي بَكْر، أيَبْعَث أبو بَكْر إلينا الجُيُوش؟ فقال امْرؤُ القَيْسِ: إي واللَّه، وأُخرى: لا يَدَعْكَ عامِلُ رسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم تَرجعُ إلى الكُفْر، فقال الأشْعَثُ: مَنْ؟ قال: زِيَادُ بن لَبِيْد، فتضَاحكَ الأشْعَثُ، وقال: أمَا يرضى زِيَادٌ أنْ أُجِيره؟ فقال امرؤُ القَيْسِ: سَتَرى.

ثمّ قام الأشْعَثُ فخَرَجَ من المَسْجِد إلى مَنْزِله، وقد أظْهَرَ ما أظْهَرَ من الكَلَام القَبِيْح من غير أنْ يَنْطِق بالرِّدَّة، ووقَفَ يتربَّصُ، وقال: نَقِفُ (b) أمْوَالنا بأيدينا ولا ندْفَعُها، ونكون من آخر النَّاس؟ قال: وبايَعَ زِيَادٌ لأبي بَكْر بعد الظُّهْر إلى أنْ قامت صَلاةُ العَصْر، فصَلَّى بالنَّاسِ العَصْرَ، ثمّ انْصَرَفَ إلى بَيْتهِ، ثمّ غَدَا على الصَّدَقَة من الغَدِ كما كان يَفْعَلُ فبل ذلك، وهو أقْوى ما كان نَفْسًا، وأشدُّهُ


(a) طبقات ابن سعد: كائدهم.
(b) طبقات ابن سعد: تقف.

<<  <  ج: ص:  >  >>