للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتَّفَقَ أنَّ إبْراهيم صنَعَ صَوْتَهُ: [من الكامل]

أَعرَفْتَ أنَّ (a) الحَيّ بالحْجِرِ … فَسَرَورَيان فقُبَّة العُمْر (b)

وهجرتَنا وأَلِفْتَ رَسْمًا باليًا … والرَّسْم كانَ أحقَّ بالعُمْر (c)

فقال لي إبْراهيمُ: اذْهَبْ إلى أبي العَتَاهِيَة حتى تُغَنِّيهُ هذا الصَّوْتَ، فأتيْتُه في اليَوْم الّذي تَنْقَضي فيه يَمِيْنُه، فكَتَبَ إليَّ بعد أنْ غنَّيْتُه: هذا اليَوْمُ الّذي تَنْقَضي فيه يَمِيْني، فأُحِبُّ أنْ تُقيم عندي إلى اللَّيْل، فأقْمتُ عندَهُ نَهاري كُلَّهُ، حتَّى إذا أذَّن النَّاسُ المَغْربَ كَلَّمَني، فقال: [يا] (d) مُخَارِق، قُلتُ: لَبَّيْكَ، قال: قُل لصَاحِبكَ: يا ابن الزَّانيِة، أمَا والله لقد أبقيْتَ للنَّاس فِتْنَةً إلى يَوْم القِيامَة، فانظُر أين أنْتَ من اللهِ غَدًا. قال مُخَارِق: فقُلتُ لَهُ: دَعْني من هذا، قُلْتَ (c) شيئًا تتخَلَّصُ بهِ من هذا المَوضِع؟ قال: قد قُلْتُ في امْرأتي شِعْرًا، قُلتُ: فأنْشِدنيهِ، فأنْشَدَني (١): [من الخفيف]

مَنْ لقَلْبٍ مُتَيَّم مُشْتَاقِ … شَفَّهُ شَوْقُهُ وطُوْلُ الفِرَاقِ

طالَ شَوْقي إلى قعِيْدَةِ بَيْتي … لَيْتَ شِعْري فهل لنا من تَلَاقِ

فهي حَظِّي قد اقْتَصَرتُ عليها … من ذَوَاتِ العُقُودِ والأطْوَاقِ

جَمَعَ اللهُ عاجلًا بكِ شَمْلي … عنِ قريبٍ وفكَّني من وَثَاقي

قال: فكتبتُها وصرْتُ بها إلى إبْراهيم، فصنَع فيها لَحنًا، ثمّ دخَل على الرَّشِيْدِ، فكان أوَّلَ ما غنَّاهُ في ذلك المَجْلِس، فأعْجبَهُ، وقال: لمَن هَذا الغِنَاءُ والشِّعْر؟ قال إِبْراهيم: أمَّا الغِنَاء فلي، وأمَّا الشِّعْرُ فلأسِيْركَ أبي العَتَاهِيَة، قال: أوَ فَعَل؟ قال: نعَم، قد كان ذاك، فدعا بهِ، ثمّ قال لمَسْرُور الخَادِم: كم كُنَّا ضَرَبْنا أبا العَتَاهِيَة؟


(a) الأغاني: دار.
(b) عجزه في الأغاني: فشدوريان فقُنَّة الغمر.
(c) الأغاني: بالهجر.
(d) زيادة من الأغاني.
(e) الأغاني: هل قلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>