للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك، فأنْشَدَهُ (١): [من البسيط]

نَفْسِي بشيءٍ من الدُّنْيا مُعَلَّقَةٌ … اللهُ والقَائِمُ المَهْدِيُّ يَكْفِيْها

إنِّي لآيَسُ (a) منها ثمّ يُطْمِعُني … فيها احْتِقَارُكَ للدُّنيا وما فيها

فقال له الرَّشِيْدُ: هل لك في التَّزْويْج بها؟ قال: لا والله، قال: إنَّك إنْ قبلْتَ ذلك خَلَّيْتُ سَبِيْلكَ وزدْتُ في مَنْزِلتَك، قال: عليَّ عَهْدُ الله عزَّ وجلَّ ألَّا أتزوَّج على أُمّ ولدى حتَّى ألْقى الله، فاعْفنى من ذلك يا أَمِير المؤمنِيْن عفا اللهُ عنك، فأمرَ الرَّشِيْدُ بردِّهِ إلى الحَبْس.

وقال المَرْزُبانيّ (٢): حَدَّثَني عليّ بن [أبي عَبْد الله] (b) الفَارِسِيّ، قال: أخْبَرَني أبي، قال: حَدَّثَني عليُّ بن مَهْدِى، عن أحْمَد بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَني مُخارِقٌ، قال: لمَّا تَقَرَّأ (c) أبو العَتَاهِيَة ولبِسَ الصُّوْفَ، أمرَهُ الرَّشِيْدُ أنْ يقُول شِعْرًا في الغَزَل، فامْتَنَعَ؛ فضَرَبَهُ ستِّينِ عَصًا، وحَلَفَ ألَّا (d) يخرُجَ من حَبْسِهِ حتَّى يقُولَ شِعْرًا في الغَزَل، فامْتَنَعَ؛ رُفِعَت المقارِعُ عنه قال للرَّشيْدِ: كُلّ ممْلُوكٍ له حُرٌّ، ومَرَتْهُ طَالِقٌ إنْ تكلَّم سَنَةً إلَّا بلا إله إلَّا الله مُحَمَّدٌ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم (e)، فكأنَّ الرَّشِيْد تحَوَّبَ (f) ممَّا فَعَل بهِ، فأمَرَ بأنْ يُحْبَسَ في دارٍ ويُوسَّعَ عليه، ولا يُمْنَعَ من الدُّخُول إليهِ.

قال مُخَارِقٌ: وكانت الحالُ بينِي وبين إبْراهيم المَوْصِلِيّ لَطِيْفة، فكان لا يزَالُ يبعَثُ بي إليه في الأيَّام أتعرَّف خَبَرَهُ، فإذا دَخَلْتُ إليه إلى حَبْسِهِ وَجَدْتُ بينَ يَدَيْهِ ظُهُورًا (g) ودَوَاةً يكتبُ إليَّ بجميع (h) ما يُرِيدُ، وأُكَلِّمُهُ أنا، فمكث كَذَا سَنَةً،


(a) ديوانه ووفيات الأعيان: لأيأسُ.
(b) إضافة واستكمال لاسمه.
(c) الأغاني: تنسك، والمعنى واحد.
(d) ب: لا.
(e) الأغاني: إلا بالقرآن أو بلا إله إلا الله مُحَمَّد رسول الله.
(f) الأغاني: تحزَّن.
(g) الأغاني: ظهرًا، وفي بعض نسخه ما يوافق المثبت.
(h) ب: جميع.

<<  <  ج: ص:  >  >>