كتبت عدة كتب عن الثورة الجزائرية، كان أكثر الكتاب غربيين من صحافيين ومؤلفين، تناولت بعض الأحداث الظاهرة في الثورة التي نجمت عنها. وعلى الحرب المدمرة وإبادة السكان وعلى العذاب والتنكيل، والقتل الجماعي الذى كان يستعمله الجيش الفرنسي، واندفاع الشعب الجزائري ومغامرته بحياته في هذه الحرب القذرة، وعلى المؤتمرات التي كانت تعقد في الشرق والغرب من أجل انتهائها، وعلى المناضل الجزائري وما كان يحمل بين طياته من شجاعة وعبقرية فذة، وصور إنسانية حية سليقة فيه، هذا كله تكلموا عنه لكنهم أهملوا العنصر الأساسي الذي قامت عليه الثورة، والذي أمدها بقوة غلابة وقادها حتى النصر النهائي، وسواء أكان ذلك عن قصد أم عن غير قصد؟ فالدين هو الذى كان سببا في جميع كلمة الأمة، وبعث فيها روح الجهاد والتضحية، وقادة الثورة جعلوه دستورا لها سارت عليه من بدايتها إلى نهايتها، ولولاه لما اجتمعت الأمة على مقاومة الاستعمار، والعالم كله يشهد بذلك، أفبعد هذا الانتصار الرائع يتنكر الشعب من بعد الاستقلال للإسلام ويتهمه بالرجعية وعدم مسايرته للتطور الحضاري؟ اللهم فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، ولما رأيت أن الكتاب عن الثورة لم يشيروا إلى الدين الذي هو عنصر فعال فيها لا من قريب ولا من بعيد، عزمت على أن أكتب على هذا الجانب الروحي الذي سرى تياره في هذه الأمة منذ زمن بعيد وما كادت تسمع صوته من الدعاة حتى صارت تتسابق إلى ميادين الجهاد - وإني أثبت الحقائق الناصعة في هذا الكتاب وأرفع الالتباس والغموض تحقيقا للواقع التاريخي، مبينا في ذلك للشعوب الإسلامية عامة وللشعوب العربية خاصة وموضحا للأجيال الصاعدة أنهم إذا حادوا عن الإسلام، ولم يجعلوه أساسا لحياتهم لم يكتب لهم النصر والتوفيق أبدا في هذا الوجود، ويبقوا تابعين لا متبوعين ...