لقد ثبت لدى الجنرال ديغول، ومن سبقه من حكام فرنسا عجزهم عن قمع الثورة عن طريق القوة الحربية، بلغت الثورة الجزائرية في هذه المرحلة الأخيرة مبلغا عظيما من القوة، تعقدت الأحوال وتشعبت الأمور في جميع الميادين، فأصبح الشعب لا يفكر ولا يحلم الا بالقتال دفاعا عن النفس والوطن، وتصلب كل من المتخاصمين في موقفه الذى اتخذه لنفسه، والحرب مشتعلة الأوار، ولهيبها في تزايد وتصاعد رغم التضحيات الجسيمة التي تكبدها الطرفان المتحاربان، وكل الحلول فشلت عن حل هذه القضية الشائكة رغم توصيات جمعية الأمم، ولا الوساطة التي كانت تعرض نفسها لحل هذه القضية، ولا صرخات الشعوب المنددة بهذه الحرب القذرة ولا الخسائر الفادحة التي أودت بالأموال والأنفس، إذن ما هذه القضية التي استعصت، عن جميع الحلول؟ هذه قضية الجزائر فهي بالنسبة لكل من المتحاربين قضيه حيوية فالفرنسيون يعتبرون القطر الجزائري أرضا فرنسية بحته ويعتبرونها أيضا همزة وصل بينهم وبين مستعمراتهم المنتشرة في القارة الافريقية، وعلى هذا الأساس إذا استقل القطر الجزائري، فيضعف الاتصال بين فرنسا ومستعمراتها، وتفقد أيضا ضفة البحر الأبيض المتوسط الجنوبية، وهذا ما وقع فعلا.
ولهذا كان المسؤولون من الفرنسيين يصرحون دائما بقولهم، كيف تكون فرنسا بدون الجزائر؟ فإنهم كانوا يعتبرون الجزائر خطا ثانيا للدفاع عن فرنسا، وهذا ما وقع بالفعل في الحرب العالمية الثانية، لما احتل الألمان أرض فرنسا لجأت الحكومة الفرنسية الى الجزائر، ومنها واصلت الحرب ضد النازيين ...
وباستقلال شمال افريقيا يفقد الغرب مركزا هاما للدفاع عن مصالحة الحيوية، وهذا معنى تصريح رؤساء الحكومات الفرنسية فإنهم كانوا يقولون الحرب القائمة في الجزائر ما هي