وتصفيقا بل كان عملا وتضحية ولم يعد جهادهم دعاية وتهريجا، بل كان فداء واستشهادا. وتعذيبا وتنكيلا، هذه الثورة كلفت الشعب الجزائري ثمنا باهضا من التضحيات الجسيمة فسقط ما يربو عن مليون شهيد في الاشتباكات على مستوى الوطن، تحت قنابل المدافع والنبالم والطائرات وأزيز الرصاص وعلى أعواد المشانق وشفرات المقاصل وتحت الهدم، أما العذاب الذي أنزل على رأس الأمة الغالب لم ينجو منه أحد، والتخريب ودك الدور والمنازل وهتك الأعراض والشرف فحدث عن ذلك ولا حرج.
وامتازت مقاومة الجزائر لجيش الاحتلال الفرنسي ببطولة نادرة لم يكن هذا الاحتلال نزهة عسكرية كما يقولون، بل اصطدم بأناس أقوياء في إيمانهم صلب في عزائمهم لا كما كان يظن الاستعمار أنهم أناس متأخرون وهذا ما شهد به قائد الاحتلال (الجنرال بيجو) قال: (إن العرب كلهم أهل حرب وبأس يخوضون غمار الحروب من الشيخ الهرم البالغ من العمر ثمانين سنة إلى الطفل البالغ خمسة عشرة سنة) واعترف المؤرخون الفرنسيون بشخصية الجزائر المسلمة كوحدة قومية تنتمي إلى المجموعة الإسلامية، وهذا ما شهد به المؤرخ الفرنسي (لورد ليو) في كتابه الجزائر وتونس قال: (إن فرنسا استولت سنة ١٩٣٠ على قطر عامر غني زرعا وذرعا يذود عن حوضه سكان عديدون يحبون الحرب ولا يعرفون للفشل ولا للملل معنى، إن هؤلاء السكان من جنس عريق استوطنوا افريقيا منذ زمن عتيق، توالت عليهم في هذا القطر قرون وأجيال، فهم أصحاب مدينة رائعة، يكونون هيئة اجتماعية منظمة، تتوفر فيها شروط الحياة والقوة، تعتز بوطنيتها كل اعتزاز، وبفضل أخلاقها وعاداتها ودياناتها، كانت تنفر من الاندماج إلى أي جنس ما، ومما يزيد في الطين بلة، هو دين هذا الجنس دين عزيز لا يغلب ولا يقهر، قوه دافعة جبارة يستمدها من بساطة مبادئه ووضوحها إلى غير ذلك من شهادة المؤرخين الأجانب.