امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، وقوله تعالى: {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا} على طريق الشرط والجزاء؛ يعني: المهر).
وقال جماعة: بل كانت عنده موهوبة، فقيل: هي زينب بنت خزيمة الأنصارية، وقيل: هي ميمونة بنت الحارث، وقيل: هي أم شريك بنت جابر من بني أسد، وقيل هي خولة بنت حكيم من بني سليم، فقوله تعالى: {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا} دليل على جواز النكاح بلفظ الهبة له ولأمته عليه السَّلام، وزعم الشافعية أنه مخصوص به عليه السَّلام، فقالوا: معناه: إباحة الوطء بالهبة وحصول التزويج بلفظها من خصائصك.
ورد بأن اللفظ عام يشمله عليه السَّلام وأمته، وبأن الخصوصية لا بد لها من من دليل ولم يوجد، وقال الأئمة الحنفية: معناه تلك المرأة صارت خالصة لك زوجة ومن أمهات المؤمنين لا تحل لغيرك أبدًا بالتزويج، فالنكاح ينعقد بلفظ الهبة إذا طلب الزوج منها النكاح والتمكين من الوطء، فقالت: وهبت نفسي منك، وقبل الزوج؛ يكون نكاحًا، ويدل عليه هذه الآية، فإنها قد دلت على إحلال الواهبة وصحة نكاحها بلفظ (الهبة).
وقد تقرر أنه عليه السَّلام وأمته سواء في الأحكام إلا ما خصه الدليل، ولا دلالة في قوله (خالصة) لك على كون النكاح بلفظ (الهبة) من خصائصه عليه السَّلام؛ لما سبق من أن معناه كون الواهبة من أمهات المؤمنين لا تحل لأحد بعده أبدًا، فلو وهبت نفسها من أحد من غير مهر وقبل الزوج بمحضر الشهود؛ يصح النكاح ولها مهر مثلها، هذا هو الصواب، وبه قال إبراهيم النخعي وعلماء الكوفة وغيرهم.
واختلف هل كان يحل للنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم نكاح اليهودية أو النصرانية بالمهر؟ فذهب جماعة إلى أنه لا يحل له ذلك لقوله: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً}، وذهب جماعة أنه يحل له ذلك، وقال معنى الآية وهي {اللَاّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ}؛ أي: الإسلام؛ أي: أسلمن معك، فيدل ذلك على أنه يحل له نكاح غير المسلمة، والله أعلم.
(حتى إذا كان)؛ أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (بالطريق) وذلك أنه جاء في «الصحيح» فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء، وهي قرية جامعة من عمل الفرع لمزينة على نحو أربعين ميلًا من المدينة أو نحوها، والروحاء بفتح الراء وبالحاء المهملة ممدود، كذا في عمدة القاري؛ (جهزتها له أم سليم)؛ بضم السين المهملة، وهي أم أنس بن مالك، (فأهدتها)؛ أي: زفتها (له) عليه السَّلام، ومعناه: أهدت أم سليم صفية للنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (من الليل) وفي بعض الروايات: (فهدتها)، قيل: وهي الصواب قاله الكرماني وتبعه البرماوي، ويدل عليه قول الجوهري: (الهداء) مصدر قولك هديت أنا المرأة إلى زوجها هذا، كذا في «عمدة القاري».
(فأصبح النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم عروسًا) على وزن (فعول) يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في أعراسهما، يقال رجل وامرأة عروس، وجمع الرجل عرس، وجمع المرأة عرائس، وفي المثل كاد العروس أن يكون ملكًا، والعروس اسم لحصن باليمن، وقول العامة: العروس للمرأة والعريس للرجل ليس له أصل، قاله إمام الشَّارحين.
وفي رواية «الصحيح» أنه عليه السَّلام أقام عليها بطريق خيبر ثلاثة أيام حين أعرس بها، وكانت فيمن ضرب عليها الحجاب، وفي رواية: (أقام بين خيبر والمدينة ثلاثة أيام فبنى بصفية)، كذا في «عمدة القاري».
ويدل لهذا قوله (فقال) عليه السَّلام؛ أي: لأصحابه: (من كان عنده شيء)؛ أي: من الطعام؛ (فليجئ به) إلى مكاننا، وفي رواية: (فليجئني) بنون الوقاية، (وبَسَطَ)؛ بفتحات، (نِطعًا)؛ بكسر النون وفتح الطاء المهملة، وهو الذي اختاره ثعلب في الفصيح، وهو في رواية «الفرع» وغيره.
وذكر في «المخصص» : فيه أربع لغات؛ الأولى: بفتح النون وسكون الطاء، الثانية: بفتحتين، الثالثة: بكسر النون وفتح الطاء، الرابعة: بكسر النون وسكون الطاء، وجمعه أنطاع ونطوع، زاد في «المحكم» : أنطع، وقال أبو عمرو الشيباني في «نوادره» : (النطع: هو المبناة والستارة)، كذا في «عمدة القاري».
قلت: والظاهر أن النطع ثوب يشبه ستارة الباب، أو المحمل، أو يشبه اللباد يبسط (١) على الأرض.
(فجعل الرجل)؛ أي: من أصحابه الكرام (يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن) إلى تلك النطع فجمعوه فيها، (قال)؛ أي: عبد العزيز بن صهيب: (وأحسبه)؛ أي: أحسب أنس بن مالك (قد ذكر السَّويق)؛ بفتح السين المهملة وهو الدقيق الملتوت بالسمن، وجزم عبد الوارث في روايته بذكر السويق وزعم الكرماني، ويحتمل أن يكون فاعل قال هو البخاري ويكون مقولًا للفربري، ومقول أحسب يعقوب، ورده إمام الشَّارحين بأنه غير ظاهر والأول هو الظاهر، كما لا يخفى، انتهى.
قلت: وهو كذلك فإن ما ذكره الكرماني بعيد غاية البعد لا يعول عليه؛ فافهم.
(قال) أي: الراوي (فحاسوا) بالحاء والسين المهملتين؛ أي: خلطوا أواتخذوا (حيسًا)؛ بفتح الحاء والسين المهملتين، بينهما مثناة تحتية ساكنة، وهو تمر يخلط بسمن وأقط، يقال: حاس الحيس يحسه؛ أي: يخلطه، وقال ابن سيده: (الحيس: هو الأقط يخلط بالتمر والسمن، وحاسه حيسًا وحيسه خلطه).
وقال الجوهري: الحيس الخلط، ومنه سمِّي الحيس، وقال الشاعر:
وإن تكن كريهة أدعى لها... وإذ يحاس الحيس يدعى جندب
وقال آخر: التمر والسمن جميعًا، والأقط: الحيس إلا أنه لم يخلط.
وفي «الغريبين» هو ثريد من أخلاط، قال الفارسي: الله أعلم بصحته، كذا في «عمدة القاري».
(فكانت) بالفاء وفي رواية: (فكانوا) واسم كانت الضمير الذي فيه يرجع إلى الأشياء الثلاثة التي اتخذ منها الحيس، وعلى الثانية اسمها الواو؛ لأنَّ موضعه رفع وهو يعود إلى الأشياء المصنوعة.
وقوله: (وليمة)؛ بالنصب خبر كان على الوجهين (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: طعام عرسه، والوليمة: عبارة عن الطعام المتخذ للعرس، مشتقة من الولم، وهو الجمع؛ لأنَّ الزوجين يجتمعان فتكون الوليمة خاصة بطعام العرس، لأنَّه طعام الزفاف، والوكير: طعام البناء، والخرس: طعام الولادة، وما تطعمه النفساء نفسها خرسة، والإعذار: طعام الختان، والنقيعة: طعام القادم من سفره، وكل طعام صنع لدعوة:
(١) في الأصل: (ببسط).