للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمِيرَاثِ وَالْعَقِيقَةِ، وَخَصَّ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضٍ وَبَعْضَ الْأَمْكِنَةِ عَلَى بَعْضٍ بِخَصَائِصَ مَعَ تَسَاوِيهَا؛ فَجَعَلَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَجَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ سَيِّدَ الشُّهُورِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدَ الْأَيَّامِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ مِنًى أَفْضَلَ الْأَيَّامِ، وَجَعَلَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَفْضَلَ بِقَاعِ الْأَرْضِ. [كَيْفَ يُمْكِنُ الْقِيَاسُ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ؟]

قَالُوا: وَإِذَا كَانَتْ الشَّرِيعَةُ قَدْ جَاءَتْ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ - كَمَا جَمَعَتْ بَيْنَ الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ فِي ضَمَانِ الْأَمْوَالِ، وَفِي قَتْلِ الصَّيْدِ، وَجَمَعَتْ بَيْنَ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ وَالطِّفْلِ وَالْبَالِغِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَجَمَعَتْ بَيْنَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ فِي طَهَارَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَجَمَعَتْ بَيْنَ الْمَيْتَةِ وَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ فِي التَّحْرِيمِ، وَبَيْنَ مَا مَاتَ مِنْ الصَّيْدِ أَوْ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ فِي ذَلِكَ، وَبَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فِي تَطْهِيرٍ - بَطَلَ الْقِيَاسُ، فَإِنَّ مَبْدَأَهُ عَلَى هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ، وَهُمَا أَصْلُ قِيَاسِ الطَّرْدِ وَقِيَاسِ الْعَكْسِ. [الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ] .

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ، وَحَمِيَتْ أُنُوفُ أَنْصَارِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِنَصْرِ دِينِهِ وَمَا بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ، وَآنَ لِحِزْبِ اللَّهِ أَنْ لَا تَأْخُذَهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَأَنْ لَا يَتَحَيَّزُوا إلَى فِئَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَأَنْ يَنْصُرُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِكُلِّ قَوْلٍ حَقٍّ قَالَهُ مَنْ قَالَهُ، وَلَا يَكُونُوا مِنْ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ مَا قَالَهُ طَائِفَتُهُمْ وَفَرِيقُهُمْ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَيَرُدُّونَ مَا قَالَهُ مُنَازِعُوهُمْ وَغَيْرُ وَطَائِفَتِهِمْ كَائِنًا مَا كَانَ؛ فَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ وَحَمِيَّةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَمَضْمُونٌ لَهُ الذَّمُّ إنْ أَخْطَأَ، وَغَيْرُ مَمْدُوحٍ إنْ أَصَابَ، وَهَذَا حَالٌ لَا يَرْضَى بِهَا مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَهُدِيَ لِرُشْدِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَجَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُجْمَلٌ وَمُفَصَّلٌ: [الْجَوَابُ الْمُجْمَلُ]

أَمَّا الْمُجْمَلُ فَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الصَّوْمِ وَأَضْعَافِهَا وَأَضْعَافِ أَضْعَافِهَا فَهُوَ مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ عَلَى عِظَمِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَجَلَالَتِهَا، وَمَجِيئُهَا عَلَى وَفْقِ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْفِطَرِ الْمُسْتَقِيمَةِ، حَيْثُ فَرَّقَتْ بَيْنَ أَحْكَامِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لِافْتِرَاقِهَا فِي الصِّفَاتِ الَّتِي اقْتَضَتْ افْتِرَاقَهَا فِي الْأَحْكَامِ، وَلَوْ سَاوَتْ بَيْنَهَا فِي الْأَحْكَامِ لَتَوَجَّهَ السُّؤَالُ، وَصَعُبَ الِانْفِصَالُ، وَقَالَ الْقَائِلُ: قَدْ سَاوَتْ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ، وَقَرَنَتْ الشَّيْءَ إلَى غَيْرِ شَبِيهِهِ فِي الْحُكْمِ، وَمَا امْتَازَتْ صُورَةٌ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ بِحُكْمِهَا دُونَ الصُّورَةِ الْأُخْرَى إلَّا لِمَعْنًى قَامَ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>