الْبُخَارِيَّ مِنْ الْآيَةِ فَقَالَ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} [آل عمران: ٩٣] : " لَا يَمَسُّهُ " لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إلَّا مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ وَلَا يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إلَّا الْمُؤْمِنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥] ، وَتَجِدُ تَحْتَهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَنَالُ مَعَانِيَهُ وَيَفْهَمُهُ كَمَا يَنْبَغِي إلَّا الْقُلُوبُ الطَّاهِرَةُ، وَأَنَّ الْقُلُوبَ النَّجِسَةَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ فَهْمِهِ مَصْرُوفَةٌ عَنْهُ، فَتَأَمَّلْ هَذَا النَّسَبَ الْقَرِيبَ وَعَقْدَ هَذِهِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي وَبَيْنَ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ مِنْ الْآيَةِ وَاسْتِنْبَاطُ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا مِنْ الْآيَةِ بِأَحْسَنِ وَجْهٍ وَأَبْيَنِهِ.
فَهَذَا مِنْ الْفَهْمِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَتَأَمَّلْ قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: ٣٣] كَيْفَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ وُجُودُ بَدَنِهِ وَذَاتِهِ فِيهِمْ دَفَعَ عَنْهُمْ الْعَذَابَ وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ، فَكَيْفَ وُجُودُ سِرِّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَوُجُودُ مَا جَاءَ بِهِ إذَا كَانَ فِي قَوْمٍ أَوْ كَانَ فِي شَخْصٍ؟ ، أَفَلَيْسَ دَفْعُهُ الْعَذَابَ عَنْهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؟ ،.
وَتَأَمَّلْ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١] ، كَيْفَ تَجِدُ تَحْتَهُ بِأَلْطَفِ دَلَالَةٍ وَأَدَقِّهَا وَأَحْسَنِهَا أَنَّهُ مَنْ اجْتَنَبَ الشِّرْكَ جَمِيعَهُ كُفِّرَتْ عَنْهُ كَبَائِرُهُ، وَأَنَّ نِسْبَةَ الْكَبَائِرِ إلَى الشِّرْكِ كَنِسْبَةِ الصَّغَائِرِ إلَى الْكَبَائِرِ فَإِذَا وَقَعَتْ الصَّغَائِرُ مُكَفَّرَةً بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ فَالْكَبَائِرُ تَقَعُ مُكَفَّرَةً بِاجْتِنَابِ الشِّرْكِ، وَتَجِدُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: «ابْنَ آدَمَ إنَّكَ لَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيَتْنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» ، وَقَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ النَّارَ عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» ، بَلْ مَحْوُ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ تَوْحِيدُ الْكَبَائِرِ أَعْظَمُ مِنْ مَحْوِ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِلصَّغَائِرِ.
وَتَأَمَّلْ قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف: ١٢] {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: ١٣] {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: ١٤] ، كَيْفَ نَبَّهَهُمْ بِالسَّفَرِ الْحِسِّيِّ عَلَى السَّفَرِ إلَيْهِ؟ ، وَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ السَّفَرَيْنِ كَمَا جَمَعَ لَهُمْ الزَّادَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] ، فَجَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ زَادِ سَفَرِهِمْ وَزَادِ مَعَادِهِمْ؟ وَكَمَا جَمَعَ بَيْنَ اللِّبَاسَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: ٢٦] ، فَذَكَرَ - سُبْحَانَهُ - زِينَةَ ظَوَاهِرِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute