للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتقل المؤلف إلى مسألة أخرى، وهي هل يراعى الوقت في إقامة الحد، أو يعامل بما فيه شدة؟

اعلم أن من أسرار وحِكَم هذه الحدود التي شرعها الله سبحانه وتعالى وفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- تطهير الإنسان، فإن المسلم إذا جاء واعترف بجريمة من الجرائم فأقيم عليه الحد فإنه يطهر بذلك، وكذلك لو شهد عليه شهود، ولذلك لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجم تلكم المرأة التي زنت ثم قام ليصلي عليها، قال عمر -رضي الله عنه-: أتصلي عليها وهي زانية؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين لكفتهم" (١). وكذلك جاء ما يشبه ذلك في قصة ماعز وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- صلى عليه كما في صحيح البخاري (٢). وفي بعض الروايات أنه ما صلى عليه (٣). وصلَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- على الجهنية أيضًا (٤)، إذن فالإنسان إذا تاب إلى الله وأناب فإن الله سبحانه وتعالى يكفر عنه السيئات ويغفر


(١) أخرجه مسلم (١٦٩٦/ ٢٤).
(٢) أخرجه البخاري (٦٨٢٠)، عن جابر: أن رجلا من أسلم، جاء النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى شهد على نفسه أربع مرات، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أبك جنون "، قال: لا، قال: "أحْصَنْتَ" قال: نعم، فأمر به فَرُجِمَ بالمُصَلَّى، فلما أَذْلَقَتْهُ الحجارةُ فَرَّ، فأُدْرِكَ فَرُجِمَ حتى مات. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرًا، وصلَّى عليه.
(٣) أخرج أبو داود (٤٤٣٠)، وغيره عن جابر بن عبد الله، أن رجلًا من أسلم جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاعترف بالزنا، فاعرض عنه، ثم اعترف، فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع شهادات، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أبك جنون؟ "، قال: لا، قال: "أحصنت؟ " قال: نعم، قال: فأمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فرجم في المصلى، فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرًا، ولم يُصَلِّ عليه. وصححه الألباني في: "إرواء الغليل" (٢٣٢٢).
(٤) أخرجه مسلم (١٦٩٦/ ٢٤)، عن عمران بن حصين، أن امرأة من جهينة أتت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا نبي الله، أصبت حدًّا، فَأَقِمْهُ عَليَّ، فدعا نبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم- وَليَّها، فقال: "أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها"، ففعل، فأمر بها نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فشُكَتْ عليها ثيابُها، ثم أَمَرَ بها فرجمت، ثم صَلَّى عليها، فقال له عمر: تُصَلِّي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال: "لقد تابت توبة لو قسِّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>