للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضهم (١): " في كل منخر نصف الدية، والحاجز بينهما فيه حكومة ". فلو أنه اعتدى على أنف إنسان فأذهبه ففيه الدية؛ لأنه جاء في كتاب عمرو بن حزم؛ وفي المشام الدية " (٢). والمراد بها: الشم. أي: لو أن إنسانًا عطَّل آلة الشم عند إنسان فيجب فيها الدية؛ لأن آلة الشم واحدة، وآلة السمع واحدة فلو أخذ إحدى الأذنين، أو إحدى العنين، ففيها نصف الدية؛ لكن لو أذهب البصر، أو السمع، أو أذهب الكلام، أو كذلك الشم ففي كل واحد من ذلك الدية.

وهكذا نرى كيف حافظ الإسلام على المسلم! وكيف صان المسلمَ! وكيف منع التعدي عليه! إذ إنه حافظ على كل عضو من أعضائه، وهذا يدلُّ على كمال هذه الشريعة وسموها وشمولها، وأنها رفعت كل ما فيه الضرر عن الإنسان؛ إذ وضعت زواجرَ وحدودًا للمعتدين، فالوسائل والحدود والزواجر والروادع تمنع المعتدين عن التعدي، فإن حصل فإن الجزاء من جنس العمل.

* قوله: (وَسَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ ذَهَبَ الشَّمُّ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ. وَعِنْدَهُ أَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا فَفِيهِ الدِّيَةُ).

لقد خالف الإمام مالكٌ الجمهورَ فيما يتعلق بالسمع؛ فالإمام مالك لا يجعل كل واحد منهما مستقلًّا، أي: يجمع بينهما في المشهور عنه، وله رواية أُخرى يوافق فيه الأئمة الثلاثة؛ فلو أن إنسانًا قطع أذن إنسان ففيهما الدية، ولو أذهب السمع ففيه الدية، إذ يراهما شيئًا واحدًا في الرواية المشهورة عنه (٣)، ووافق الأئمةَ الثلاثة فيما يتعلق بالأنف.


(١) وهي رواية عن الإمام أحمد: يُنظر. " الإنصاف " للمرداوي (١٠/ ٨٤) قال: " وعنه في المنخرين: الدية. وفي الحاجز: حكومة. قال الزركشي: هذه المشهورة من الروايتين ".
(٢) حديث: (وفي الشم دية) ذكره الشربيني في مغني المحتاج (٥/ ٣٢٢) وقال: " غريب "، وقال ابن حجر في التلخيص (٤/ ٨٧): " لم أجده ".
(٣) يُنظر: " حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " (٤/ ٢٧٢) قال: " (قوله: ففي قطعهما =

<<  <  ج: ص:  >  >>