للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنِّي؟ ". فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، أي: إلى الرجل الأنصاري، وقال له: "أَنت أَحَقُّ بها مِنه"، أي: أنت أولى بهذه القيمة من أن تُدَبِّره؛ لأنك بحاجة، وفي بعض الروايات: لأنَّ عليه دَيْنًا أيضًا، فكان مُحتاجًا وعليه دَيْنٌ (١). فهذا نصٌّ في المسألة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو مَن فعل ذلك قولًا وعَمَلًا وتَعليمًا، لكن هذا الحديث فيه الحاجة، ومن هنا جاءت رواية أخرى عند الحنابلة بتقييد ذلك عند الحاجة (٢)، لكن المشهور عنهم بأنه يجوز بيعه مطلقًا، كما هو مذهب الشافعية (٣)، والدليل الآخر عندهم هو دليل مَعقول، وهو القياس؛ لأنَّهم قاسوا ذلك على الوصية، فكما أنه يجوز الرجوع في الوصية وبيع الموصى به، كذلك أيضًا يجوز الرجوع في التدبير.

ووجه الشبه بينهما: أن كل واحد منهما مُعَلَّق تنفيذه بعد الممات، فالوصية إنما تنفذ بعد الموت، وكذلك التدبير، إذًا هما يَلتقيان ويتشابهان،


(١) أخرجه النسائي (٥٤١٨)، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، قال: "أعتق رجل من الأنصار غلامًا له عن دُبُر، وكان محتاجًا، وكان عليه دين، فباعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثمانمائة درهم، فأعطاه فقال: "اقْضِ دَيْنَك، وأنفق على عيالك". "، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٨٣٣).
(٢) يُنظر: "الروايتين والوجهين"، لأبي يعلى ابن الفراء (٣/ ١١٥)، حيث قال: "هل يجوز بيع المدبر على الإطلاق؟ أم يجوز عند الحاجة إليه وهو إذا كان دين؟ فنقل الميموني قال: قلت له: مَن باعه من غير حاجة إليه على التأويل، فما رأيت أبا عبد الله ينكر ذلك ولا يدفعه. فظاهر هذا جواز بيعه على الإطلاق. وكذلك نقل أبو طالب.
ونقل عبد الله وحنبل: أرى بيع المدبر في الدين إذا كان فقيرًا لا يملك شيئًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع المدبر حين علم أن صاحبه لا يَملك شيئًا غيره. فظاهر هذا أنه لا بيعه مع عدم الحاجة".
(٣) يُنظر: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف"، للمرداوي (٧/ ٤٣٧)، حيث قال: " (وله بيع المدبر وهبته). هذا المذهب مطلقًا بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب؛ منهم: القاضي، والشريف أبو جعفر، وأبو الخطاب، والشيرازي، والمصنف، والشارح، وغيرهم. قال في "الفائق": هذا المذهب. قال في "الفوائد": والمذهب: الجواز. قال الزركشي: هذا المذهب عند الأصحاب".

<<  <  ج: ص:  >  >>