للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْهِبَةَ (١). وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مِنَ الثُّلُثِ فِي فُرُوعٍ، وَهُوَ إِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ غُلَامًا لَهُ فِي صِحَّتِهِ، وَأَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ عَنْهُ غُلَامًا آخَرَ).

فانتبهوا إلى هذا، وهو أنه دَبَّر في صحته، وأعتق في مرضه غلامًا، فيكون العتق أسبق؛ لأن العتق فيه تنجيز (٢)، فإذا قال السيد لعبده: أنت حر. أنت عتيق، انتهى الأمر، إذًا هذا نُسَمِّيه تنجيزًا، ولذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلَاثٌ جِدَّهُنَّ جِدٌّ، وهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاق والعتاق والرجعة" (٣)، فذكر منها العتاق، وهو من الأمور التي ليس فيها هزل، فإذا أعتق بلفظ صريح أعتق عليه، لكن هنا جاء التدبير قبله، وهو في صحته، وجاء العتق في المرض؛ فأيُّهما يُقَدَّم عندما يَضيق الأمر، أَيُقدم الذي عتقه مُنجز، أو يُقدم الذي تدبيره تقدم واقعًا على إعتاق ذلك؟

* قوله: (فَضَاقَ الثُّلُثُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ مَالِكٌ: يُقَدَّمُ الْمُدَبَّرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الصِّحَّةِ (٤)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (٥).


(١) ذكر ابن قدامة تعليل هذا الفريق. يُنظر: "المغني"، لابن قدامة (١٠/ ٣٤٣) حيث قال: "وروي عن ابن مسعود، ومسروق، ومجاهد، والنخعي، وسعيد بن جبير، أنه يعتق من رأس المال؛ لأنه عتق فينفذ من رأس المال، كالعتق في الصحة، وعتق أم الولد".
(٢) يُنظر: "طلبة الطلبة"، للنسفي (ص: ٥٨)، وفيه قال: "التَّنجيز: هو التعجيل، يقال: نجز الوعد مِن حَدِّ دَخَل، وأنجزه الوعد، ونجز المال، أي: صار نقدًا، والمناجزة في الحرب: المبارزة والمعاجلة إلى العدو من ذلك".
(٣) أخرجه أبو داود (٢١٩٤)، وغيره، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وحسنه الألباني في "الإرواء" (١٨٢٦).
(٤) يُنظر: "الاستذكار"، لابن عبد البر (٧/ ٤٤٦)، حيث قال: "قال مالك في رجل أعتق نصف عبد له وهو مريض فبت عتق نصفه، أو بت عتقه كله، وقد كان دَبَّر عبدًا له آخر قبل ذلك، قال: يبدأ بالمدبر قبل الذي أعتقه، وهو مريض، وذلك أنه ليس للرجل أن يَرد ما دَبَّر، ولا أن يتعقبه بأمر يرده به، فإذا عتق المدبر فليكن ما بقي من الثلث في الذي أعتق شطره حتى يستتم عتقه كله في ثلث مال الميت، فإن لم يبلغ ذلك فضل الثك عتق منه ما بلغ فضل الثلث بعد عتق المدبر الأول".
(٥) في مذهب الشافعية قولان: أنه يُقرع بينهما، وبعضهم قال: يُقدَّم المدبر.
يُنظر: "المهذب"، للشيرازي (٢/ ٣٧٤)، حيث قال: "فإن دبر عبدًا وأوصى بعتق آخر=

<<  <  ج: ص:  >  >>