للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَأَى أَنَّ السَّادَةَ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ نُدِبُوا لِعَوْنِ الْمُكَاتَبِينَ).

وبإلقاء نظرة عامة إلى الشريعة الإسلامية نجد أنها تحث الجميع على الإنفاق والإحسان، ويأتي في مقدمة ذلك أصحاب الحاجات، ولا شكَّ أن من أحوج الناس الرقيقُ فهم في حاجة إلى تغيُّر أحوالهم؛ ولا شكَّ أن السادة في مقدمة من يقدمون لهم يد العون، وهم أولى الناس بمساعدة المكاتبين؛ لأن المكاتب أفنى جزءًا من عمره، وأمضى وقتًا من حياته في خدمة هذا السيد، وجمع له المال، وربما جميع ما يملك السيد من مال هو عن طريق ذلك المملوك؛ فينبغي أن يحسن إليه كما أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه " إِذَا جَاءَ خَادِمُ أَحَدِكُمْ بِطَعَامِهِ، فَلْيَبْدَأْ بِهِ فَلْيُطْعِمْهُ، أَوْ لِيُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَإِنَّهُ وَليَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ " (١)، بمعنى: أن الخادم لو صنع طعامًا لسيده، فلا شك أنه سيناله شيء من حرارة ودخان ذلك الطعام الذي تعب فيه، وشم رائحته، فعلى السيد أن يطعمه منه، وهذا من باب الإحسان.

قوله: (وَالَّذِينَ رَأَوْا ذَلِكَ اخْتَلَفُوا؛ هَلْ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ؟ وَالَّذِينَ قَالُوا بِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ، وَبَعْضُهُمْ حَدَّهُ).

وصاحب هذا القول الإمام أبو حنيفة ومالك، لكنَ مالكًا وأبا حنيفة لا يوجبانه، أما الشافعي فيرى الوجوب، لكنَّه لم يحدَّ قدرًا معينًا


= وَآتُوهُمْ}، وذلك يحتاج إليه من حين العقد، وكلما عجله كان أفضل؛ لأنه يكون أنفع، كالزكاة، ووقت وجوبه: وهو حين العتق؛ لأن الله تعالى أمر بإيتائه من المال الذي آتاه، وإذا آتى المال عتق، فيجب إيتاؤه حينئذ، قال علي - رضي الله عنه -: " الكتابة على نجمين "، والإيتاء من الثاني، فإن مات السيد قبل إيتائه، فهو دين في تركته؛ لأنه حق واجب، فهو كسائر ديونه، وإن ضاقت التركة عنه وعن غيره من الديون، تحاصوا في التركة بقدر حقوقهم ".
(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>