للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسيد قد أخذ مقابلًا لهذا العتق، فكان الأولى والأجدر أن يعينه في ذلك؛ لأن الولاء سيكون له، وهذا لا مقابل عليه.

ولا شكَّ أن السيد الذي كاتب مملوكه مثاب؛ لأنه قد فتح له الطريق، وأنار له السبيل، ودفعه إلى طريق الحرية، وأعانه على ذلك، ومكَّنه من العمل حتى يجمع ويسدد ما عليه، ولا شكَّ أنه عمل من أعمال البر والإحسان أيضًا والتقوى والصلاح.

٤ - أما جنس الإيتاء الذي يقدم للملوك؛ فلا شكَّ أن الأولى في ذلك أن يضع السيد عنه شيئًا مما عليه، وهذا فعل الصحابة - رضي الله عنهم -، وفي تفسير علي بن أبي طالب قال: "رُبُع الْكِتَابَة يَحُطُّهَا عَنْهُ" (١)، وابن عباس قال: "ضعوا عنهم من مكاتبتهم" (٢)، وابن عمر طبَّق ذلك تطبيقًا عمليًّا، فخفف عن مملوكه ووضع عنه خمسة آلاف من خمسة وثلاثين ألفًا (٣).

ولا شَكَّ أن خير مَن يقتدى بهم، ويُؤخذ بآرائهم، ويُتمسَّك بها، ويُعض عليها بالنواجز هم الصحادة - رضي الله عنهم -، الذين مات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو راضٍ عنهم، وأوصى بهم خيرًا، فقال: "فَعَلَيْكمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ" (٤)، وقال: "اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُم، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَن آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ، فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذهُ" (٥)، وهم الَّذين أثنى الله -تعالى- عليهم في كتابه وزكاهم خير تزكية، فهم خير من يُقتدى به بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه البيهقي في الكبرى (١٠/ ٥٥٥) عن نافع عن ابن عمر: "أنه كاتب عبدًا له بخمسة وثلاثين ألفًا، ووضع عنه خمسة آلاف، أحسبه قال: من آخر نجومه لفظ حديثهما سواء".
(٤) أخرجه أبو داود (٤٦٠٧)، وغيره، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (١٦٥).
(٥) أخرجه الترمذي (٣٨٦٢) وغيره، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (٢٩٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>