للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٣ - ثم اختلفوا بعد ذلك في القدر الذي يُعطى للمملوك، لا من حيث الإعانة نفسها؛ فالإعانة متَّفق عليها لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلَاثةٌ حَقّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمُ: الْمُكَاتَبُ يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالْمُتَزَوِّجُ بُرِبدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ


= الآية للندب عند الفقهاء، حتى لا يجب على المولى أن يكاتب عبده، وقال بعض مثايخنا: "وهو للإباحة، واشتراطه علم الخير فيهم خرج على وفاق العادة؛ فإن العادة جرت على أنه لا يكاتب إلا إذا علم فيه الخير، وقد يكون الأمر للإباحة كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} "، قلنا: "الأمر يكون للندب، وهو الظاهر هنا بدليل ما بعده من قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} فإنه للندب فكذا الكتابة". ".
ومذهب المالكية، يُنظر: "المقدمات الممهدات"، لأبي الوليد ابن رشد (١٧٥٣)، حيث قال: "قوله -عز وجل-: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} هو على الندب لا على الوجوب، ومعناه عند مالك -رحمه الله- أن يضع عنه من أجر كتابته شيئًا يتعجل به عتقه، والذي يدل عليه أنه غير واجب: أن الله لم يحد فيه حدًّا في كتابه ولا على لسان نبيه -عليه السلام- ولو كان فرضًا لكان محدودًا؛ لأن الفرض لا يكون غير محدود بكتاب أو سنة، فلما لم يوجد ذلك في الكتاب، ولا ثبت فيه خبر مرفوع عن النبي -عليه السلام- دل على أن الناس يؤمرون به، ولا يجبرون عليه بالحكم، كالمتعة التي أمر الله بها".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع "، للشربيني (٢/ ٦٥٤)، حيث قال: " (و) يجب (على السيد أن يضع) أي يحط عنه، أي مكاتبه (من مال الكتابة) الصحيحة (ما) أي: أقل متمول أو يدفعه له من جنس مال الكتابة، وإن كان من غيره جاز، والحط أو الدفغ قبل العتق (يستعين به) على العتق، قال تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} فسر الإيتاء بما ذكر؛ لأن القصد منه الإعانة على العتق ". وانظر: "الوسيط "، للغزالي (٧/ ٥٢٢).
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (٢/ ٦٠٩)، حيث قال: " (ويلزم أن يؤدي) السيد (إلى من أدى كتابته) كلها (ربعها) أما وجوب الإيتاء بلا تقدير فلقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}، وظاهر الأمر الوجوب، وأما كونه ربع مال الكتابة؛ فلما روى أبو بكر بإسناده عن علي مرفوعا في قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] قال "ربع الكتابة"، وروي موقوفًا عن علي، ولأنه مال يجب إيتاؤه بالشرع مواساة فكان مقدرًا كالزكاة، وحكمته: الرفق بالمكاتب، وفارقت الكتابة في ذلك سائر العقود؛ لأن القصد بها الرفق بالمكاتب بخلاف غيره ".

<<  <  ج: ص:  >  >>