للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك لأولاده، وقالت: "دعهم لأولادك" (١)، فلم يرد تحديد في ذلك، ولذلك لم يتعرض له المؤلف، والأمر نسبي، فلا يقاس هذا الزمان بذاك الزمان، فثلاثة آلاف في ذاك الزمان تعادل شيئًا كثيرًا بالنسبة لهذا الزمان، فالآن الذي يملك مئة ألفٍ لا يعتبر يملك شيئًا، فقد تجد عليه الديون الكثيرة، وربما يملك المليون، ويختلف أيضًا باختلاف الأشخاص، قد تجد شخصًا عنده مئة ألف دينار، لكنه عنده وظيفة أو صنعة يشتغل فيها ويكسب كسبًا طيبًا، فعنده دَخْل، فهذا يوصي بأي شيء، وربما تجد آخر عنده مال لكنه ينفق هذا المال، فليس عنده أي مصدر من المصادر التي تضيف إليه شيئًا من الكسب، فهم يختلفون.

* قَوْله: (وَإِنَّمَا صَارَ الجَمِيعُ إِلَى أَنَّ الوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ عَادَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَلَغَ مِنِّي الوَجَعُ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا"، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لَا"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذْرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ "، فَصَارَ النَّاسُ لِمَكَانِ هَذَا الحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَاخْتَلَفُوا فِي المُسْتَحَبِّ مِنْ ذَلِكَ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ مَا دُونَ الثُّلُثِ؛ لِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي هَذَا الحَدِيثِ: "وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ" (٢).


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٦/ ٢٢٩) عن عائشة قال: قال لها رجل: إني أريد أن أوصي، قالت: "كم مالك؟ "، قال: ثلاثة آلاف، قالت: "فكم عيالك؟ "، قال: أربعة، قالت: "فإن الله يقول: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠]، وإنه شيء يسير، فدعه لعيالك، فإنه أفضل ".
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>