للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَكَما مرَّ بنا في الهبة: هناك هبة عين، وهناك هبة منفعة، فهنا في الوصية وصية رقاب، ووصية منفعة، ولا خلاف بين العلماء في جواز الوصية في الرقاب، أيْ: في الأعيان، لكن الخلاف بينهم في جوازها في المنافع.

* قَوْله: (فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ: ذَلِكَ جَائِزٌ) (١).


= وعرف البعلي المنفعة والمنافع: الانتفاع بالأعيان كسكنى الدار، وركوب الدواب، واستخدام العبيد". انظر: "المطلع على ألفاظ المقنع" (٤٩١)، والمقصود بالمنافع في باب الوصيَّة هو المعنى الثاني.
(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "تبيين الحقائق" للزيلعي (٦/ ٢٠٢) قال: "وتصحُّ الوصية بخدمة عبده، وسكنى داره مدة معلومة وأبدًا"؛ لأن المنافع يصح تمليكها في حالة الحياة ببدل وبغير بدل، فكذا بعد الممات لحاجته كما في الأعيان، ويكون محبوسًا على ملك الميت في حق المنفعة حتى يتملكها الموصى له على ملكه.
مذهب المالكية، يُنظر: "الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (٢/ ١٠١٢) قال: بمسألة: تصحُّ
الوصية بسكنى دار، وخدمة عبدٍ، وغلَّة أرض وبستان. وقال ابن أبي ليلى: لا يصحُّ،
قال الطحاوي: وهو القياس؛ فدليلنا أن المانع يصحح إفرادها بالعقد بدليل جواز
الإجارة عليها، فصحت الوصية بها، كالأعيان، ولأنه تمليك منافع بغير بدل، كالعارية.
مذهب الشَّافعيَّة، يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (٤/ ١٥٣) قال: "تصح" الوصية "بمنافع عبدٍ" ونحوه من الدواب "ودار" ونحوها من العقارات "و" نحو "غلة حانوت " كثمرة بستان مؤقتة ومؤبدة، والإطلاق يقتضي التأبيد؛ لأنها أهوال مقابلة بالأعواض، فكانت كالأعيان، وضبط الإمام المنافع بما يملك بالإجارة، وغلة عطف على منافع، وهو مشعر بمغايرتها لها. قال السبكي: والمنافع والغلة متقاربان، وكل عين فيها منفعة فقد يحصل منها شيءٌ غير تلك المنفعة؛ إما بفعله كالاستغلال أو بعوضٍ عن فعل غيره، أو من عند الله تعالى، وذلك الشيء يُسمَّى غلة، فالموصى له به يملكه من غير ملك العين، ولأنَّ المنفعة كأجرة العبد والدار والحانوت وكسب العبد وما ينبت في الأرض كله غلة تصح الوصية به كما تصح بالمنفعة.
مذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٤/ ٣٧٣): (فصل وتصح الوصية بالمنفعة المفردة) عن الرقبة؛ لأنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة، فصحت الوصية بها كالأعيان، وقياسًا على الإعارة (ك) ما لو أوصى لإنسان بـ "خدمة عبد وغلة دار وثمرة بستان أو" ثمرة "شجرة سواء وصى بذلك" أي: بما ذكر من المنفعة "مدة معلومة أو" وصى "بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله "؛ لأن غايتَه جهالة القدر، وجهالة القدر لا تقدح.

<<  <  ج: ص:  >  >>