للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا مثال يتعلق بقاعدة يذكرها الفقهاء: "من أتلفَ شيئًا لدفع أذاه له لم يضمنه، وإن أتلفه لدفع أذًى به ضمنه" (١).

وهذه هي القواعد التي نُشير إليها كثيرًا ونقول بأنها أحكام كلية تجتمع وتلتقي نحوها مسائل كثيرة وأن تلك المسائل تُنْظَمُ في سِلك واحد فتندرج تحت تلك القاعدة أو الحكم الكلي، من أتلف شيئًا لدفع أذاه له لم يضمنه، فلو صال عليك هذا البعيرُ ولم تستطع أن تتخلَّص منه فأرديته قتيلًا؛ كما لو أرسلت عليه سهمًا فأتلفته لدفع أذاه عنك، ثُمَّ قالوا في الجزء الثاني من القاعدة وإن أتلفه لدفع أذًى به ضمنه، أي: لو كنت في الصحراء وأصابك الجوع وليس عندك إلا شاة لإنسان أو بعير وهو مملوك لغيرك ولا يجوز لك أن تتعدَّى على مِلك غيرك، فقد كالت الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" (٢)، فلك أن تَقتل هذا الحيوان قبل أن تنحر هذا البعير وأن تأكل منه لتدفع الجوع عنك لكن الحكم يختلف بين الصورة الأولى وبين الصورة الثانية؛ فالصورة الأولى: جَملًا صال عليك فدفعتَه حفاظًا على نفسك (٣)، وفي الصورة الثانية: لم


(١) وهي من قواعد أحكام الضمان. انظر: "القواعد" لابن رجب (ص ٥٠)، و"مختصر اختلاف العلماء" للجصاص (٥/ ١٩٥).
(٢) أخرجه أحمد في "المسند" (١٥٤٨٨) عن عمرو بن يثربي الضمري، قال: شهدت خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى، فكان فيما خطب به أن قال: "ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه " … الحديث. وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١٤٥٩).
(٣) اختلف أهل العلم في هذه المسألة، على قولين:
مذهب الحنفية: ينظر: "حاشية ابن عابدين على الدر المختار" قال: "قوله (وسبع) هو كل حيوان مختطف عاد عادة، (قوله أي حيوان) أشار إلى ما في النهر من أن هذا الحكم لا يخص السبع؛ لأن غيره إذا صال لا شيء بقتله ذكره شيخ الإسلام، فكان عدم التخصيص أولى؛ إذ المفهوم معتبر في الروايات اتفاقًا اهـ لكن ينبغي تقييد الحيوان بغير المأكول؛ لما في البحر من أن الجمل لو صال على إنسان فقتله فعليه قيمته بالغة ما بلغت؛ لأن الإذن في قتل السبع حاصل من صاحب الحق وهو الشارع، وأما الجمل فلم يحصل الإذن من صاحبه (قوله صائل)، أي: قاهر حامل على المحرم من الصولة أو الصألة بالهمزة قهستاني، وقيد به لما مرَّ من أن غير=

<<  <  ج: ص:  >  >>