للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَلاخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا أَيْضًا سَبَبٌ آخَرُ، وَهُوَ احْتِمَالُ عَوْدَةِ الضَّمِير فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُهُ مَتَعًا لَكُمْ وَلِلْسَيَّارَةِ} [المائدة: ٩١]، أَعْنِي: أَنْ يَعُودَ عَلَى البَحْرِ أَوْ عَلَى الصَّيْدِ نَفْسِهِ، فَمَنْ أَعَادَهُ عَلَى البَحْرِ قَالَ: طَعَامُهُ هُوَ الطَّافِي، وَمَنْ أَعَادَهُ عَلَى الصَّيْدِ قَالَ: هُوَ الذَّيِ أُحِلَّ فَقَطْ مِنْ صَيْدِ البَحْرِ (١)، مَعَ أَنَّ الكُوفِيِّينَ أَيْضًا تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ وَرَدَ فِيهِ تَحْرِيمُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ (٢)، وَهُوَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ) (٣).


(١) انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٥/ ٣٦))، وفيه قال: "احتج الشافعي رحمه الله بقوله تعالى {وَطَعَامُهُ مَتَعًا لَكُمْ}، معطوفًا على قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ}، أي: أُحلَّ لكم طعامه، وهذا يتناول ما صِيدَ منه وما لم يصد، والطافي لم يصد، فيتناوله بقوله - عليه الصلاة والسلام - في صفة البحر: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"، وبقوله: "أُحلَّت لنا ميتتان ودمان"، فَسَّر النبي الميتة بالسمك من غير فصل بين الطافي وغيره، ولنا ما رُوِيَ عن جابر عن رسول الله أنه "نَهَى عن أكل الطافي"، وَعَنْ سَيِّدنا عليَّ أنه قال: لا تبيعوا في أسواقنا الطافي … وعن ابن عباس أنه قال: ما دسره البحر فكُلْه، وما وجدته يطفو على الماء فلا تأكله. وأما الآية فلا حجة له فيها؛ لأن المراد من قوله تعالى: {وَطَعَامُهُ} ما قذفه البحر إلى الشط فمات، كَذَا قال أهل التأويل، وذلك حلالٌ عندنا؛ لأنه ليس بطافي، إنما الطَّافِي اسمٌ لما مات في الماء من غير آفَةٍ، وسبب حادث، وهذا مات بسبب حادث وهو قذف البحر، فلا يكون طافيًا، والمراد من الحديثين غير الطافي لما ذكرنا.
(٢) قال ابن عبدالبر حكايةٌ عنهم: "وفي هذا الحديث - جيش أبي عبيدة من أكلهم
الحوت بعد نتنه - جواز أكل دواب البحر ميتة وغير ميتة بخلاف قول الكوفيين أنه لا يجوز أكل شيءٍ من دواب البحر إلا السمك ما لم يكن طافيًا، فإن كان السمك
طافيًا لم يؤكل أيضًا". ثم ذكر دليلهم، فقال: "احتج مَنْ لم يجز أكل الطافي من السمك بحديث إسماعيل بن أُمَيَّة عن بن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَلْقَى البحر أو جزر عنه فكُلُوا، وما طفا فلا تأكلواه"، وهذا الحديث رواه الثوري وحماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر موقوفًا. انظر: "الاستذكار"، لابن عبدالبر (٨/ ٣٧٣).
(٣) قال ابن بزيزة: "ومنع أكل الطافئ اعتمادًا على ما رواه أبو الزبير عن جابر عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوا، وما طفا فلا تأكلوه"، والحديث صحيح، وروي موقوفًا على جابر، فلذلك ضعف الاحتجاج به عند الجمهوره. انظر: روضة المستبين في شرح كتاب التلقين" (١/ ٧١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>