للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعروفة … كلُّ ذلك تكلَّمنا عنه وفصَّلناه، فلذلك أرجو ألَّا يكون قد بَقِيَ شيءٌ في الذهن من ذلك.

قوله: (وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَرَجَّحَ عُمُومَ الآيَةِ عَلَى هَذَا الأَثَرِ، إِمَّا لِأَنَّ الآيَةَ مَقْطُوٌ بِهَا، وَالأثَرَ مَظْنُونٌ (١)، وَإِمَّا لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ لَهُمْ، أَعْنِي حَدِيثَ جَابِرٍ (٢)، أَوْ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ الحُوتُ مَاتَ بِسَبَبٍ، وَهُوَ رَمْيُ البَحْرِ بِهِ إِلَى السَّاحِلِ؛ لِأنَّ المَيْتَةَ هُوَ مَا مَاتَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ خَارِجٍ).

هذا -في الحقيقة- تعليلٌ ضعيفٌ ومعروفٌ، والله سبحانه وتعالى يقول: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: ٩٦]، {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: ١٤]، والرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - يقول في البحر: "هُوَ الطهُورُ ماؤُهُ، الحلُّ ميتته" (٣)، وهذا نصٌّ، وهو حديثٌ صحيحٌ فيما خرج من البحر؛ فأطلق ذلك وأشمل، وهو كما قلنا، ويؤكد أن الحنفية لهم مُتَمسَّكٌ بالحديث الضعيف الذي قيل فيه: "ما ألْقَاه البحر أو جزر عنك، فكلوا، وما مات أو طفا فلا تأكلوا منه" (٤)، أي: ما مات فيه أو طفا، فلَا تأكلوا منه.


(١) انظر: "التجريد" للقدوري (٢/ ٦٣٦٤)، حيث قال: "احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -[في البحر]: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته "، قلنا: هذا الخبر رواه سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة [عن أبي هريرة عن] النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال الطحاوي: سعيد بن سلمة: مجهول لا يُعْرف بالعدل، وقد خالفه فيه يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو أجلُّ منه، فرواه عن المغيرة بن أبي بردة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا منقطع "، ثم ميتة البحر ما أضيف موته إليه، وذلك لا يكون إلا إذا ألقاه أو مات من برده أو حره، وذلك مباح عندنا".
(٢) انظر: "المبسوط "، للسرخسي (١١/ ٢٤٩)، وفيه قال: "فألقى لنا البحر حوتًا يقال له: عنبر"، وهو اسم للسمك، وتأويل الرواية الأُخرى أنه جوز لهم التناول لضرورة المجاعة، أو كان ذلك قبل نزول قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ".
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم، وهو حديث ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>