للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَورَد في بعض الروايات: نصف شهر (١)، فلما عادوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ذكروا له ذلك، فقال: "رزقٌ أخرجه الله لكم"، أو: "رزق رزقكم الله إياه، فكلوا"، ثمَّ سألهم: "هل مَعَكمْ من شيءٍ؟ "، وفي بعض الروايات: قالوا: نعم، فأعطوه (٢)، هذا هو الذي يُشير إليه.

قوله: (وَتَزَوَّدُوا مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَحْسَنَ فِعْلَهُمْ، وَسَأَلَهُمْ: هَلْ بَقِيَ مِنْهُ شَيءٌ؟ "، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ لَهُمْ لِمَكَانِ ضَرُورَةِ خُرُوجِ الزَّادِ عَنْهُمْ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مِيتَتُهُ" (٣).

عَلَينا أن نَتذَكَّر ما عَرضنا له كثيرًا في الكلام عن المشقَّة والتخفيف في الشريعة الإسلامية، وأن الشريعة الإسلامية بُنِيَتْ على أُسُسٍ، منها: رَفْع المشقَّة، وَعدَم الحرَج (٤)، وأيضًا العدل في الأحكام؛ هذه كلُّها أُسُسٌ قامَتْ عليها، ومِنْ بين ذلك التَّخفيف، وذَكَرنا أن أسبابَ التَّخفيف سبعةٌ، وقد عددناها، وتكلمنا عنها فيما مضَى، وطبقناها على القاعدة


= لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرةً تمرةً … فلما قدمنا المدينة، أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرنا ذلك له، فقال: "هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ "، قال: فأرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه فأكله.
(١) أخرجه البخاري (٤٣٦٢) عن جابر قال: غزونا جيش الخبط، وأمر أبو عبيدة، فجعنا جوعًا شديدًا، فألقى البحر حوتًا ميتًا لم نرَ مثله، يُقَال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر … "، الحديث.
(٢) أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (٩/ ٨٦) عن جابر: وفيه … فقال: "هل مَعكُمْ منه شيء؟ "، فقلنا: نعم، فقال: "أطعمونا منه ".
(٣) أخرجه أبو داود (٨٣) وغيره، عن أبي هريرة، قال: سأل رجل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول اللّه، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضا بماء البحر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ".
(٤) يُنظر: "الأشباه والنظائر" لتاج الدين السبكي؛ حيث قال: "القاعدة الثالثة: المشقة تجلب التيسير … وإن شئت قلت: إذا ضاق الأمر اتسع".

<<  <  ج: ص:  >  >>