للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّمُ هُوَ السَّبَبَ فِي تَحْرِيمِ المَيْتَةِ، لَمَا كَانَتْ تَرْتَقِعُ الحُرْمِيَّةُ عَنِ الحَيَوَانِ بِالذَّكَاةِ).

إنَّ الدَّم يبقى فيه؛ لأنَّ الحيوان إذا زكي يبقى شيء مِنْ دمه، ولذلك يقع أيضًا خلافٌ بين العلماء كمَا في الدم الذي يتقطَّر من الكَبد والطُّحال مرَّ استثناؤهما في الحديث.

قوله: (وَتَبْقَى حُرْمِيَّةُ الدَّمِ الَّذِي لَمْ يَنْفَصِلْ بَعْدُ عَنِ المُذَكَّاةِ، وَكَانَتِ الحِلِّيَّةُ إِنَّمَا تُوجَدُ بَعْدَ انْفِصَالِ الدَّمِ عَنْهُ).

السَّبب الَّذي علَى هذا التعليل الذي يذكره عن الشافعية هو الدم، يَعْني علَى قول هؤلاء يُعدُّ السَّبب فيه طهارة ما لا نفسَ فيه سائلة هو عدم وجود دمٍ سائلٍ؛ إذًا ارتفع السبب، وهو الدَّم، فارتفع المسبب يعني: المُتَسبب عنه وهو الحرمة؛ فحلَّت محلَّه الحِلِّيَّة.

قوله: (لِأَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَ السَّبَبُ، ارْتَفَعَ المُسَبَّبُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ إِنْ وُجِدَ السَّبَبُ وَالمُسَبَّبُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، فَلَيْسَ لَهُ هُوَ سَبَبًا، وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ عَنْ عَصِيرِ العِنَبِ، وَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ يَرْتَفِعَ الإِسْكَارُ إِنْ كنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ الإِسْكَارَ هُوَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ. وَأَمَّا مَنِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَيْتَةَ البَحْرِ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الأَثَرِ الثَّابِتِ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَفِيهِ: "أَنَّهُمْ أَكَلُوا مِنَ الحُوتِ الَّذِي رَمَاهُ البَحْرُ أَيَّامًا) (١).

يشير إلى الأَحَاديث، ومنها حَديث العَنْبر، وهو حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنَّهمْ "كانوا في غزوةٍ مِنَ الغزوات، فأَصَابهم الجوع، فألقى البحرُ بحوتٍ كبيرٍ يُعْرَف بالعَنبر، فأكلوا منه " (٢).


(١) سيأتي.
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٦١) ومسلم (١٩٣٥) واللفظ له عن جابر، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأَمَر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرًا لقريش، وزودنا جرابًا من تمر لم يجد =

<<  <  ج: ص:  >  >>