للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عُمْدة مالك وأحمد.

قَوْله: (مَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ نَصٌّ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ: أَنَّ فَرْقًا بَيْنَ الذّمَّةِ فِي الفَلَسِ، وَالمَوْتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الفَلَسَ مُمْكِنٌ أن تَثْرَى حَالُهُ فَيَتْبَعُهُ غُرَمَاؤُهُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي المَوْتِ).

والواقع يشهد بذلك؛ لأن الإنسان إذا أفلس وذهب ماله، ربما يكون مبذرًا، أو عنده كرم زائد، كلما جاءه من الأموال أنفقها، وأيضًا يوجد من الناس من يمسك على المال، هذا الإنسان إذا أفلس ربما يتدارك الخطأ، ولذلك رأيت ما مر بنا من الحَجْر على السفيه الذي يبذر أمواله، لكن هذا الذي أفلس وذهب ماله وربما لا يكون نتيجة التبذير، يبيع ويشتري، فلا يوفق، فيخسر السلع، وربما يصبر وبعد ذلك يرجع إلى حاله، وربما يكون المفلس صاحب صنعةٍ وينتج.

ولذلك، يُفرِّق العلماء بين المفلس إذا كان صاحب صَنْعةٍ وبين ما أُخِذَ من بين يديه لا يستطيع أن يتصرَّف، ولا أن ينفق، وبين آخر لو أخذ جميع ما بين يديه، فإنَّه صاحب صنعة يستطيع أن يعمل وينفق.

قوْله: (وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَعُمْدَتُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ، فَصَاحِبُ المَتَاعِ أَحَقُّ بِهِ " (١)، فَسَوَّى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ المَوْتِ وَالفَلَسِ. وَقَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ شِهَابٍ مُرْسَلٌ، وَهَذَا مُسْنَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ المَعْنَى: فَهُوَ مَالٌ لَا تَصَرُّفَ فِيهِ لِمَالِكِهِ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَالَ المُفْلِسِ. وَقِيَاسُ مَالِكٍ أَقْوَى مِنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ).

<<  <  ج: ص:  >  >>