للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتصرف في حدود هذا النصف، وهكَذا أحكام الشريعة كلها منسقة ومرتبة تسعى لما فيه مصلحة الناس، وسعادتهم، وإقامة العدل بينهم.

إذن، "ويَسْعى بذمَّتهم أدنَاهم"، وأدناهم: العبد والمرأة، ففي هذا الحديث دلالةٌ على أن أمانَ العبد يُقْبل، وثبتَ في ذلك أثر عن عمر أنه جهز جيشًا للقتال، فمروا بحصنٍ من الحصون فامتنع عليهم، فكانوا قد أقدموا على فتحه، فتقدم عبدٌ (أي: مملوك)، فتكلَّم مع أَهْل ذلك الحصن وبلُغَتهم حتى جَاء في الأثر أنه تكلَّم (يعني: بلغتهم)، ثم اتفق معهم، فكتب لهم صحيفةَ أمانٍ، فألقَاها عليهم، فلما بلغ ذلك عمر، أقرَّ ذلك وقال: "العبد من المسلمين له ذمته" (١).

هذا وقع من عمر، وأقرَّ ذلك، فبهذا يتبيَّن أن العبد له أمان كالحال بالنسبة للحر؛ لأنه مسلم، وكرامته ككرامة أخيه المسلم الحر، لا فرق بينهما.

وأما قوله: "يدٌ على مَنْ سواهم"، فالأدلة تدل على ذلك، منها قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠].

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤)} [الصف: ٤].

والحديث: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجَسَد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تدَاعى له سَائرُ الجَسَد بالسَّهر والحُمَّى" (٢).


(١) أخرجه سعيد بن منصور في (سننه) (٢/ ٢٧٤) عن فضيل بن زيد الرقاشي، قال: حاصرنا حصنًا على عهد عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، فرمى عبدٌ منا بسهم فيه أمان، فخرجوا، فقلنا: ما أخرجكم؟ فقالوا: أمنتمونا، فقلنا: ما ذاك إلا عبد، ولا نجيز أمره، فقالوا: ما نعرف العبد منكم من الحر، فكتبنا إلى عمر -رضي اللَّه عنه- نسأله عن ذلك، فكتب: إن العبد رجل من المسلمين، ذمته ذمتكم.
(٢) أخرجه البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦)، واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>