وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]، فربما إنسان مملوك لا أثْرَ له في المستقبل يرفعه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى درجات، ويحط آخَرَ له من المكانة العظيمة؛ لأن هذا سار على الطريق السوي، وذاك ركب طريق الغواية، فافترقا في هذا المقام.
لَكن الأمر هنا فيما يتعلَّق بأدناه أي: فيما يتعلَّق بأحكام الأمان التي معنا، وهذا الدُّنوُّ إنما نسب إلى أمرٍ آخرَ؛ لأنه عندما تكلَّمنا عن أسباب التخفيف في الشريعة الإسلامية، وذلك عندما تكلمنا عن القصر، أو في أحكام المسافر، رأينا أن العلماءَ رتَّبوا قاعدةً معروفةً:"المشقَّة تجلب التيسير"، وأن أسبابَ التخفيف سبع:"هي: المرض والسفر والنسيان والإكراه والخطأ والنقص وعموم البلوى"(١)، فالعبد والمرأة العلة فيهما النقص، فنجد أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خفف عن كلِّ واحدٍ منهما بعضَ الأحكام، فَالمَرأةُ لَا تجب علَيها جمعةٌ، ولا جماعةٌ، وإِذا حاضت فإنها تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، والعبيد أيضًا تُخفَّف عنهم الحدود، ولا يلزمهم الجهاد. . . إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة المعروفة في هذا المقام.
فَالنَّقْصُ مَوْجودٌ، لكن هذا النقص لا تأثيرَ له فيما يتعلَّق بالأمان، وإنما هذا من بَاب التخفيف؛ لأنَّ المرأة -كما هو معلوم- عورةٌ وضعيفةٌ، فلا جهاد عليها، وكذلك العبد منافعُهُ مملوكة لغيره، فليس له التصرف في نفسه، وإذا أصبح مكاتبًا، فإنه يتصرَّف في حدود، وكذلك من أعتق نصفه
(١) يُنظر: "غمز عيون البصائر" للحموي (١/ ٢٤٥ - ٢٤٨) حيث قال: "القاعدة الرابعة: المشقَّة تجلب التيسير، والأصل فيها قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وحديث: "أحبُّ الدِّين إلى اللَّه تعالى الحنيفية السمحة". قال العلماء: يتخرَّج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته، واعلم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة، الأول: السفر. . . الثاني: المرض؛ ورخصه كثيرة؛ التيمم عند الخوف على نفسه. . . الثالث: الإكراه الرابع: النسيان. . . الخامس: الجهل. . . السادس: العسر وعموم البلوى؛ كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها".