للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجَاء الإسلام، فقَضى على أحكام الجاهلية وما كان فيها من أحكامٍ، أما القراض وهي المضاربة، فإنَّ الإسلام قد أقرَّها وهذَّبها، أما الأحكام الجائرة التي كانت تَقُومُ على الظلم والاستعباد والذل، وعلى التعدي كالحال بالنسبة للمرأة، وبالنسبة للربا والقتل؛ فإنهم كانوا إذا قتل شريفٌ وضيعًا، ذهب دمه هدرًا، ولو قتل وضيعٌ شريفًا، لا يكفي هذا الوضيع أن يقتل فيه؛ بل لا بدَّ أن يؤخذَ عددٌ من قبيلته، وهذا لا شكَّ جورٌ وظلمٌ جاء الإسلام فأبطلَه، يقُول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة البقرة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)} [البقرة: ١٧٨].

فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد بيَّن هذا الحكم: الحر بالحر، فلا فرق بين كبير وصغير، ولا بين شريف ووضيع، ولا بين عزيز ومغمور، فَكلُّهمْ سواسية في هذه الحقوق، وإنما يَتَميَّزون بأُمورٍ أُخرى، أما في هذا الحق فلا، والعبد بالعبد لأنه يساويه، والأنثى بالأنثى كذلك، وجاءت سُنَّة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لتقرر تلك الأحكام وتبينها بيانًا شاملًا، وتبيَّن أن المسلمَ لا يُقْتل بكافرٍ، فهذه الشريعة جاءت، وَطَمست معالم الجاهلية، ونقلت المسلمين إلى هذه الشريعة التي فيها حياة قلوبهم وأرواحهم، كما أن بالماء حياة أبدانهم، يقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤]، فَهَذا القرآن فيه حياةٌ للقلوب، وفيه حياةٌ للأرواح؛ لأنه أنار للمسلم طريقه، وأضاء له قلبه، فإذا ما أخلص عبادته للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، سار في طريقٍ سويٍّ لا عوج فيه.

فقوله: "تتكافأ دماؤهم"؛ أي: يَتسَاوون في هذا الأمر، "ويَسْعى بذمَّتهم أدناهم"، هذا يشمل المرأة، ويشمل العبد، ويشمل الصحيح والمريض، والمجنون والصغير، لَكنَّنا نجد أنَّ المجنونَ والصغيرَ أُخْرجَا من ذلك بأَدلَّةٍ أُخرى، وبَعْضُ هذه الأدلة بالإجماع، و"يسعى بذمتهم أدناهم"، فإن من أدناهم المرأة، وكذلك العبد، وليس معنى "أدناهم" أن هؤلاء أقل في أُمور العبادة، فاللَّه تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى

<<  <  ج: ص:  >  >>