للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَمَانُ العَبْدِ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَ) (١).

قيَّد أبو حنيفة ذلك بالمقاتلة؛ لأنه إذا قاتل أصبح بمنزلة الحر، ويعلِّلون ذلك بأنه كيف يؤمن غيره ولم يجاهد؟! وكما قلنا هو متهمٌ، ولكن التهمة ترد أيضًا فيما يتعلَّق فيما لو أذن له بذلك.

* قوله: (وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ العُمُومِ لِلْقِيَاسِ، أَمَّا العُمُومُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ" (٢)).

هذا حديثٌ عظيمٌ، وقد قاله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في فتح مكة عندما كان يخطب الناس مستندًا إلى الكعبة: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويَسْعى بذمَّتهم أدنَاهم، وهم يدٌ على مَنْ سواهم".

وجه الدِّلالة من الحديث: هذَا الحَديث يدل على وجود التكافؤ، أي: التساوي بين الأحرار، فلا فرقَ بين شريفٍ ووضيعٍ، لا فرقَ بينهم في القِصَاصِ، وفي القول فإنَّهم يَتسَاوون في ذلك في حكم الإسلام، أما في الجاهلية فلَمْ تكن الحالة كذلك، ولذلك يقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه العزيز في سورة المائدة مخاطبًا رَسُوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٤٩)} [المائدة: ٤٩].


(١) يُنظر: "فتح القدير" للكمال ابن الهمام (٥/ ٤٦٥) حيث قال: "ولا يصح أمان العبد المحجور عليه عند أبي حنيفة إلا أن يأذن له مولاه في القتال".
(٢) أخرجَه أبو داود (٤٥٣٠)، وَصحَّحه الأَلْبَانيُّ في "المشكاة" (٣٤٧٥) عن قيس بن عباد، قال: انطلقت أنا والأشتر إلى عليٍّ عليه السلام، فقلنا: هل عَهِدَ إليك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا. قال مسدد: قال: فأخرج كتابًا. وقال أحمد: كتابًا من قراب سيفه، فإذا فيه: "المؤمنون تتكافَأ دماؤهم، وهم يدٌ على مَنْ سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، مَنْ أحدث حدثًا فعلى نفسه، ومَنْ أحدث حدثًا، أو آوى محدثًا، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين".

<<  <  ج: ص:  >  >>