للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤدي فرضًا عن غيره، وهو واجب عليه، فعليه أن يبدأ أولًا بنفسه كما في الحديث: "ابدأ بنفسك، ثُمَّ بِمَن تَعول" (١)، إذًاا بدأ بنفسك أولًا، فأَدِّ هذا الفرض؛ لماذا؟ لأنك لا تضمن ذلك، كما في الحديث: "تَعَجَّلوا إلى الحَجِّ؛ فإن أحدكم لا يدري ما يَعرض له" (٢)، فإذًا لا تَدري ما يحصل لك؛ فتتعجل الحج.

ثم إنه لا فرق بين قوي وضعيف، فكم من إنسان تجده هزيلًا ضعيفًا ومجهدًا وظهره مُنحنيًا، ولكنه -ما شاء اللَّه- يعيش سنوات طويلة، وربما يصل الثمانين، أو يتجاوز المائة، وربما تجد إنسانًا في عنفوان شبابه وفي قوته ثم تُفاجأ وإذا به قد مات، وأحيانًا يَعترض الإنسان الموت، ما هو فقط أنه مرض، أو وقع له حادث من الحوادث، أو غرق، إلى غير ذلك، لا يمكن أن يضمن الإنسان لنفسه -ولو ساعة واحدة- أنه سيعيش، فهذه بيد اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: ٣٤]، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥] [الأنبياء: ٣١]، [العنكبوت: ٥٧]، ولذلك تجدون الشاعر المعروف في قصيدته "العينية" المؤثرة الذي ينضح (٣) القلب إذا سَمِعها لوعةً (٤) وحزنًا، وتدمع العيون لقصة أبنائه الخمسة الذين ذهبوا إلى مصر، فأصيبوا بمرض الطاعون، فماتوا مرة واحدة؛ يقول في قصيدته تلك (٥):

وَلَا بكَهامٍ ناكلٍ عَنْ عَدُوِّه … إذا هُوَ لاقَى حاسرًا ومُقَنَّعا


(١) أخرجه البخاري (١٤٢٧)، ومسلم (١٠٣٤)، عن حكيم بن حزام -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اليدُ العُليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غِنى، ومَن يستعفف يعفه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه".
(٢) أخرجه أحمد (٢٨٦٧)، عن ابن عباس، وحَسَّنه الأرناؤوط.
(٣) أي: يفوح. انظر: "النهاية" (٥/ ٧٠)، مادة: نضح.
(٤) اللوعة: وجع القلب من المرض والحُب والحزن. وقيل: هي حرقة الحزن والهوى والوجد. انظر: "لسان العرب" (٨/ ٣٢٧)، مادة: (لوع).
(٥) البيت لمتمم بن نويرة يَرثي أخاه مالك بن نويرة. انظر: "جمهرة أشعار العرب" لابن أبي الخطاب القرشي (ص ٥٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>