للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمهما طالت بك الحياة فإنك ستلقى الموت.

وهذه القصيدة فيها أبيات تَمَثَّل بها معاوية -رضي اللَّه عنه- في مرض موته، عندما دخل عليه عبد اللَّه بن عباس، فطلب أن تُوضع له مسندة؛ ليتكئ عليها فقال بيتًا من هذه القصيدة، فرد عليه عبد اللَّه بن عباس من نفس القصيدة (١)). . .

إذًا، إذا حضرت المنية لا ينفع شيء آخر.

ونأتي إلى مسألتنا: لماذا أحج عن غيري مهما كان عندي مِن مِثْلِ الرَّأفة والرحمة وحب الخير للناس؟! نعم، اللَّه تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]، لكن اللَّه تعالى يقول: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨]، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣]، فأنت ما تتقهقر (٢) عن الصف الأول؛ ليتقدم غيرك، لا، هذه مسألة فيها منافسة، أمَّا في أُمور الدنيا، فأعطِ غيرك من مالك، لكن في أُمور الآخرة فنافس عليها، واللَّه تعالى يقول: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)} [الواقعة: ١٠، ١١]، إذًا، نافس في هذه الأُمور مهما كان عندك من العطف ومن الرحمة ومن الحنان ومن الشفقة ومن حب الخير للناس، لكن لا تُقدم غيرك على نفسك.

وفي هذه الحالة لو قُدِّر هذا، ماذا يحصل؟

لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره مع وجوب الحج عليه، ويقولون: لو حصل ذلك تقع عن حجته حجة الإسلام، والآخر إن كان أخذ منه مالًا، فيرده عليه.


(١) الذي جاء في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (٣/ ١٦٠): "لما احتضر معاوية، قيل له: ألا تُوصي؟ فقال: اللهم أَقِل العثرة، واعف عن الزَّلة، وتجاوز بحلمك عن جهل مَن لم يرج غيرك، فما وراءك مذهب، وقال:
هُوَ المَوْتُ لَا مَنْجَى مِنَ المَوْتِ وَالَّذِي … نُحَاذِرُ بَعْدَ المَوْتِ أَدْهَى وَأَفْظَعُ
(٢) تقهقر: تَرجع. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٤/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>