انظروا إلى هذا المَثَل البليغ الذي مَثَّل به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللَّه تعالى قد أكثر مِن ضرب الأمثال في القرآن، وقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)} [العنكبوت: ٤٣]، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: ٢١]، فنجد أن في القرآن جملة كثيرة من القصص، ومن ضرب الأمثلة، ومن الشواهد، وهذه كلها لتقريب الأُمور إلى الأذهان وترسيخها فيها؛ لذلك نجد أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُكثر -أيضًا- من ضرب الأمثلة، وأيضًا هنا قالَ: "أَرَأيتِ لو كان على أُمِّكِ دين كنتِ قاضيتِه"، لو أن أمكِ -هذه التي أُمِرت بالشفقة ووجوب البر نحوها والطاعة لها- عليها دَيْن وقد ماتت أكنت قاضيته؟
فكأنها جاءت يكاد قلبها يذوب حسرة على أمها تسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما الذي تستطيع أن تقدِّمه لهذه الأم التي قد ماتت، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أذن لها بأن تحج، ثم أراد أن يُقَرِّب لها ذلك الأمر، وأن يكف عنها كُلَّ وَهْم أو استغراب: "أرأيتِ لو كان على أمكِ دين أكنتِ عنها قاضية". قالت: نعم. إذًا هي لا يشكل عليها هذا، فلو كان على أمها دين من الديون من حقوق الآخرين، فإنها ستسارع فَتُوفي هذه الحقوق لأصحابها؛ لترفع ذمة أمها، فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن أن ذاك حق للناس وهذا حق للَّه، وأيهما أولى بالوفاء؟
بالطبع حق اللَّه الذي خَلَقك وأوجدك من العدم، وتفضل عليك بالنِّعم التي لا تُعد ولا تُحصى، وجعل عليك رقيبًا، وتكفل بعنايتك ورعايتك