للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غُرُوبِهَا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ (١): يَدْخُلُ فِي اعْتِكَافِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْأَقْيِسَةِ بَعْضِهَا بَعْضًا، وَمُعَارَضَةُ الْأَثَرِ لِجَمِيعِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ رَأَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ لَيْلُهُ وَاعْتَبَرَ اللَّيَالِيَ قَالَ: يَدْخُلُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرِ اللَّيَالِيَ قَالَ: يَدْخُلُ قَبْلَ الْفَجْرِ).

من نذر أن يعتكف شهرًا بعينه، دخل المسجد قبل غروب الشمس، وهذا قول مالك، والشافعي، وأحمد؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح، ثم دخل معتكفه؛ ولأن اللَّه تعالى قال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]. ولا يلزم الصوم إلا من قبل طلوع الفجر. ولأن الصوم شرط في الاعتكاف، فلم يَجُزِ ابتداؤه قبل شرطه.

* قوله: (وَمَنْ رَأَى أَنَّ اسْمَ اليَوْمِ يَقَعُ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَعًا أَوْجَبَ إِنْ نَذَرَ يَوْمًا أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْطَبِقُ عَلَى النَّهَارِ أَوْجَبَ الدُّخُولَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ خَاصٌّ بِالنَّهَارِ وَاسْمَ اللَّيْلِ بِاللَّيْلِ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَنْذِرَ أَيَّامًا أَوْ لَيَالِيَ. وَالْحَقُّ أَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَدْ يُقَالُ عَلَى النَّهَارِ مُفْرَدًا، وَقَدْ يُقَالُ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَعًا، لَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ دَلَالَتُهُ الْأَوْلَى إِنَّمَا هِيَ عَلَى النَّهَارِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى اللَّيْلِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ. وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمُخَالِفُ لِهَذِهِ الْأَقْيِسَةِ كُلِّهَا: فَهُوَ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْتَكِفُ فِي رَمَضَانَ، وَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهِ (٢)).


(١) يُنظر: "الاستذكار" (٣/ ٤٠١)، حيث قال: "وقال الأوزاعي بظاهر حديث عائشة المذكور قال: يصلي في المسجد الصبح ولقوم إلى معتكفه".
(٢) أخرجه البخاري (٢٠٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>