للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الحديث الذي جاء بدخول المعتكف إلى اعتكافه إذا صلَّى الصبح يوهم أنه كان يدخل ذلك الحين الاعتكافَ، وليس ذلك على ما يوهم ظاهرُه؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما كان يدخل الخِبَاء الذى يُضرَب له؛ لينظرَ كيف يُرتَّب مكانُ نومه ومصلاه وحوائجه، ثم يخرج في حوائجه، فإذا صلى المغرب دخل معتكَفِه، ولا يمكن أن يدخل بنية الاعتكاف ثم ينصرف عنه؛ لأنه لا يحل قطع الاعتكاف ألبتة بعد أن يدخل فيه، ولا يجوز أيضًا أن يقطع اعتكاف غيره لا سيما وقد كان -صلى اللَّه عليه وسلم- أذِنَ لعائشةَ وحفصةَ -رضي اللَّه عنهما- في ذلك، ودليل آخر: وهو أنه إن كان دخل للاعتكاف بعد صلاة الصبح فقد دخل في بعض النهار، ولا يجزئه ذلك من اعتكافه حتى يثبت أنه دخل الخباء قبل انصداع الفجر بنية الاعتكاف، وذلك معدوم في الروايات. وقال غيره: ويمكن أن يكون دخوله صبيحة عشرين متطوعًا بذلك، وكان اعتكافه كله تطوعًا، ومن زاد في التطوع فهو أفضل، وإنما يقع التحريم في النذر، ولو أن امرأً نذر اعتكاف العشر الأواخر ما لزمه أن يدخل إلا ليلة إحدى وعشرين عند الغروب، ويخرج صبيحة ثلاثين عند الغروب.

* قوله: (وَأَمَّا وَقْتُ خُرُوجِهِ فَإِنَّ مَالِكًا (١) رَأَى أَنْ يَخْرُجَ الْمُعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَأَنَّهُ إِنْ خَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (٢)، وَأَبُو حَنِيفَةَ (٣): بَلْ يَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ


(١) يُنظر: "المدونة" (١/ ٣٠٠)، حيث فيها: "وقال مالك في حديث أبي سعيد الخدري في الاعتكاف: إن ذلك يعجبني وعلى ذلك رأيت أمر الناس، أن يدخل الذي يريد الاعتكاف في العشر الأواخر حين تغرب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ويصلي المغرب فيه، ثم يقيم فيخرج حتى يفرغ من العيد إلى أهله وذلك أحب الأمر إليَّ فيه".
(٢) يُنظر: "الأم"، للشافعي (٢/ ١١٥)، حيث قال: "ويخرج منه إذا غربت الشمس آخر الشهر".
(٣) يُنظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق"، للزيلعي (١/ ٣٤٩)، حيث قال: "ويخرج بعد غروب الشمس".

<<  <  ج: ص:  >  >>