للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (١٠١)} [النساء: ١٠١].

وكذلك أيضًا الأحاديث الكثيرة التي وردت في ذلك جاءت مطلقة فتشمل كل سفر. أما جمهور العلماء فقالوا: إن لهذه الأحكام غايات، وحِكمًا، وأسرارًا، فلو رُخِّص للذي يسافر سفر معصية، وأُذِن له في قصر الصلاة، لكان في ذلك إعانة له على معصيته، وتسهيلًا له على ذلك، وهذا التسهيل قد يدفعه إلى الوصول إلى ارتكاب معصيته في وقت أسرع. وقد تكلم العلماء كذلك أيضًا عن حكم أكل المسافر المضطر للميتة: هل هو خاص بالمسافر سفر طاعة؟ أو يجوز لمن سافر سفر معصية أن يأكل منها إذا اضطر؟

فكثير من العلماء (١) قال: لا يجوز لمن سافر سفر معصية أن يأكل من الميتة ولو اضطر إليها.


= الرخصة؛ لأنها تثبت تخفيفًا فلا تتعلق بما يوجب التغليظ، ولنا إطلاق النصوص؛ ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره فصلح بتعلق الرخصة. واللَّه أعلم".
(١) مذهب الحنابلة، يُنظر: "البناية شرح الهداية" (٣/ ٣٥) "والمطيع: هو الذي يخرج للحج، أو الجهاد: (والعاصي): هو الذي يخرج لقطع الطريق، أو الإباق: (في سفره في الرخصة سواء): وفي بعض النسخ في سفرهما. . .: (ولنا إطلاق النصوص): منها قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ".
مذهب المالكية، يُنظر: "الكافي في فقه أهل المدينة" (١/ ٤٣٩) حيث قال: "ومن كان في سفر معصية واضطر إلى الميتة لم يأكلها حتى يفارق المعصية. وقد قيل: يأكلها إذا خشي ذهاب نفسه".
مذهب الشافعية، يُنظر: "المجموع"، للنووي (٤/ ٣٤٥) حيث قال: "ليس للعاصي بسفره أكل الميتة عند الضرورة. هذا هو المذهب وبه قطع جماهير الأصحاب؛ لأنه تخفيف فلا يستبيحه العاصي بسفره، وهو قادر على استباحته بالتوبة. وحكى إمام الحرمين وغيره وجهًا: أنه يجوز؛ لأنه إحياء نفس مشرفة على الهلاك، وأما المقيم العاصي إذا أضطر إلى الميتة فيباح له. هذا هو المذهب وبه قطع جمهور الأصحاب، وحكى البغوي وغيره وجهًا: أنها لا تباح له حتى يتوب". =

<<  <  ج: ص:  >  >>