للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتصفوا به من التعفف وعزة النفس، وعدم إظهار الحاجة للمخلوقين، وإنما يظهرون حاجتهم للَّه عزَّ وجلَّ وحده.

فهذا وصف للمهاجرين الذين تركوا أموالهم، وخرجوا ابتغاء مرضات اللَّه عزَّ وجلَّ مهاجرين في سبيله، فلا أموال لهم، فقد وصفهم اللَّه تعالى بالفقر حيث قال: {لِلْفُقَرَاءِ}. فهذه الآية الكريمة قد استدل بها من ذهب إلى أن صفة الفقر أشد من صفة المسكنة.

وهذا هو مذهب الإمام الشافعي، والإمام أحمد، كما هو معلوم.

فالشافعية (١) والحنابلة (٢) قالوا: إن درجة الفقير أشد حاجة من درجة المسكين، وهي تسبقها.

وذلك لما يلي:

١ - لأن اللَّه عزَّ وجلَّ بدأ بالفقراء في آية سورة التوبة وقدَّمهم على بقية الأصناف التي تصرف فيها الزكاة، والقرآن الكريم قد نزل بلغة العرب، فقد أنزله اللَّه عزَّ وجلَّ عربي مبين، فما بدأ اللَّه تعالى بالفقراء إلا لغاية، وحكمة وهو أنهم أشد الأصناف حاجة.

٢ - واستدلوا أيضًا بالآية الكريمة في سورة البقرة، والتي وصف اللَّه عزَّ وجلَّ فيها الفقراء بأنهم أحصروا في سبيل اللَّه. . إلخ، فهذا يدل على شدة حاجتهم، وأنهم أشد حاجة من غيرهم.


(١) مذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج"، للشربيني (٢/ ١٧٦)؛ حيث قال: "والفقير أسوأ حالًا منه، فإذا جاز صرفها إلى المسكين فالفقير أولى، ولا يجب الجمع بينهما".
(٢) مذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع"، للبهوتي (٢/ ٢٧١) حيث قال: " (أحدهم)، أي: الأصناف الثمانية (الفقراء) بدأ بهم؛ اتباعًا للنص، ولشدة حاجتهم. (وهم أسوأ حالًا من المساكين)؛ لبداءة اللَّه بهم، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم. . . ولا يجوز أن يسأل شدة الحاجة ويستعيذ من حالة أصلح منها؛ ولأن الفقير مشتق من: فقر الظهر، فقيل: فقير بمعنى مفعول؛ أي: مفقور. وهو الذي نزعت فقرة ظهره، فانقطع صلبه". انظر: "الإنصاف"، للمرداوي (٣/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>