المهاجرين، الذين هجروا أوطانهم، وديارهم، وأموالهم في سبيل اللَّه عزَّ وجلَّ وتركوا ذلك كله ابتغاء مرضاة اللَّه عزَّ وجلَّ، وامتثالًا لأمر رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وهم كذلك أيضًا وقفوا أنفسهم في الجهاد في سبيل اللَّه عزَّ وجلَّ، وفي الدفاع عن دين اللَّه، ولذلك قال اللَّه عزَّ وجلَّ:{لِلْفُقَرَاءِ}؛ أي: إن هذه الصدقة المقصودة -وهي الزكاة- تعطَى {لِلْفُقَرَاءِ}.
و {الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: أنهم وضعوا أنفسهم في الجهاد في سبيل اللَّه.
{لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: لا يستطيعون السفر؛ لأن الضرب في الأرض إنما هو السفر، بمعنى: أن الجهاد شغلهم عن أن يشتغلوا بالتجارة، فلا يضربون في الأرض؛ بُغْيةَ الوصول إلى المال، والحصول عليه. ومما يدل على أن الضرب في الأرض هو السفر:
٢ - وقول اللَّه عزَّ وجلَّ أيضًا:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[المزمل: ٢٠]. فالشاهد من آية سورة البقرة أن هؤلاء الفقراء الذين وضعوا أنفسهم في الجهاد في سبيل اللَّه تعالى قد انشغلوا بطاعة اللَّه عزَّ وجلَّ فلم تكن لديهم فرصة بأن يضربوا في الأرض، كغيرهم يبتغون الفضل من اللَّه عزَّ وجلَّ فيما يتعلق بأمور الدنيا، فهؤلاء يُعطَون من الزكاة.
{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}، يعني: من ينظر إليهم، وهو لا يعرف أحوالهم، فإنه يظنهم أغنياء؛ لما يظهر عليهم من الصفات، وذلك لما يلي:
١ - لأنهم يتعففون، ويترفعون عن المسألة.
٢ - ولو قُدِّر أنهم سألوا -عندما يضطرون إلى ذلك- فهم لا يُلحُّون في المسألة؛ ولذا قال اللَّه عزَّ وجلَّ:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، لما