للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونشير هنا إلى أنه قد وردت رواية عن الإمام أحمد تدل على هذا المعنى (١). فالحنابلة لهم رواية يتفقون فيها مع المالكية؛ بأنه ينبغي أن يُقدَّر ذلك بالحاجة. فالغني: هو الذي يكون عنده ما يكفيه، والفقير: هو الذي لا يجد ما يكفيه. فالذي لا يجد ما يكفيه، نعطيه من الزكاة. والناس يختلفون باختلاف أحوالهم، وليس كل الناس على نسَقٍ واحد. ولا نكون بذلك قد عارضنا ما ورد في حد الغِنى من آثار؛ لكوننا أيضًا قد نظرنا إلى رُوح الشريعة، ومراعاتها لمصالح الناس. فهذه الشريعة شريعة خالدة، وضعت لتحل مشاكل الناس في كل زمان ومكان.

* قوله: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنَّهُ مِلْكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا" (٢)).

فالغِنى الذي يمنع الصدقة هو الذي أشرنا إليه فيما سبق، والمؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ أشار إلى جزء من الحديث، ونص الحديث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ، وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ، أَوْ كُدُوحٌ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ ثم سُئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما الغِنى؟ فقال: "خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ" (٣).

* قوله: (وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: "أَنَّهُ مِلْكُ أُوقِيَّةٍ". وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا).

هذه رواية الأربعين، وقد سبقت رواية الخمسين، وعليها فمن ملك خمسين درهمًا، فقد وصل إلى حد الغِنى، وبذلك قال الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه. ونقل ذلك عن الثوري، وعن النخعي، وعن بعض التابعين.


(١) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٢/ ٤٩٤) حيث قال: "الرواية الثانية، أن الغنى ما تحصل به الكفاية، فإذا لم يكن محتاجًا حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئًا، وإن كان محتاجًا حلت له الصدقة، وإن ملك نصابًا، والأثمان وغيرها في هذا سواء.
وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري".
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>