للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فافتتح بسورة من طوال المفصل، انصرف رجل من الصلاة -صاحب الناضحين المعروف- فأتم صلاته، فنقل عن معاذ -رضي اللَّه عنه- أنه قال فيه كلمة شكاه فيها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأنكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على معاذ فقال له: "يا معاذ، أفتان أنت؟ " (١)

فهذه صلاة، وهي مفروضة، ومع ذلك نُهي معاذ أن يطيل فيها؛ لأن في هذه الصلاة -كما أشار الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مَن هو صاحب حاجة، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أَمَّ أحدُكم الناس فليُخفف؛ فإنَّ فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة" (٢).

قوله: (الكبير) يحتاج إلى رعاية، و (الضعيف) أيضًا يَحتاج إلى أن تَرفق بحاله، وكذلك (ذو الحاجة) يحتاج إلى أن يقضي حاجته، وقد لا يعوقه الوقت الطويل عن قضاء حاجته؛ لأنها ربما تذهب عنه، أو تضيع عليه.

فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما صلى بالناس نَبَّه إلى هذه الخطبة، وأن من أراد منهم أن يبقى فليبق، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف؛ لأن


(١) أخرجه البخاري (٦١٠٦) ومسلم (٤٦٥) عن جابر بن عبد اللَّه: "أن معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه- كان يصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، تم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتَجَوَّز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذًا صلى بنا البارحة، فقرأ البقرِة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معاذ، أفتان أنت -ثلاثًا- اقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١)} و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} ونحوها".
(٢) أخرجه مسلم (٤٦٨) عن عثمان بن أبي العاص الثقفي: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: "أُمَّ قومَك". قال: قلت: يا رسول اللَّه، إني أجد في نفسي شيئًا. قال: "ادنُه". فجَلَّسني بين يديه، ثم وضع كفه في صدري بين ثديي. ثم قال: "تَحَوَّل". فوضعها في ظهري بين كتفي، ثم قال: "أُمَّ قومَك. فمَن أَمَّ قومًا فليُخَفِّف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصُلِّ كيف شاء"".

<<  <  ج: ص:  >  >>