للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (أَخَّرَ الصَّلَاةَ وَقَدَّمَ الخُطْبَةَ)، هذا لم يَثبت في الحقيقة عن عتمان، ولم يَرد من طريق صحيح، ولكنه -كما ذكرت قبل- ورد عن بني أمية، ونُسب إلى معاوية (١)، لكنه صَحَّ عن مروان بن الحكم كما ذكر ذلك البغوي، وقد أنكر عليه مَن أنكر. ولا شك أن الاعتداد بما قبل ذلك العصر، ففي زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي زمن الخلفاء الراشدين وفي زمن كبار الصحابة، كان الأمر على العكس مما ذكر المؤلف، كانت الصلاة أولًا ثم بعد ذلك الخطبة.

أما الخُطبة -كما هو معلوم- فإن الإنسان يصعد المنبر، ويُسَلِّم على الناس، ثم بعد ذلك يخطب الخطبة المعروفة، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، كما فعل ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا ما فرغ من خطبته صلى بالناس.

* قوله: (لِئَلَّا يَفْتَرِقَ النَّاسُ قَبْلَ الخُطْبَةِ).

أولًا: هذا ليس تعليلًا، فهذه الصلاة فيها فى دعوة إلى الخير، وهي ليست بواجبة، والخطبة فيها تذكير وحمد للَّه سبحانه وتعالى، والجلوس لها إنما هو جلوس في مواضع الذكر، وكل مؤمن ينبغي أن يحرص على مثل هذه المواقف، فإذا كان يسعى إلى الدنيا ويبذل كل نفيس للحصول عليها، أفلا يبقى دقائق معدودة يستمع إلى ذكر اللَّه سبحانه وتعالى لعَلّ اللَّه أن يفتح قلبه، أو يكون قد وقع في معصية اللَّه سبحانه وتعالى فيهديه اللَّه، أو يكون قد اقترف ذنبًا فيقلع عن فعله، أو يكون قد وقع في مظلمة فيهديه اللَّه سبحانه وتعالى فيرد تلك المظلمة إلى صاحبها إن كانت حقًّا، وإن كانت في قول فيستحله منه.

هذه مواضع الذكر، ومجالسها دواء وعلاج للقلوب، فلا ينبغي للإنسان أن يفوتها، ولكن الناس يختلفون؛ فقد يكون منهم مَن هو مِن أصحاب الحاجات، ولذلك نجد أن معاذًا -رضي اللَّه عنه- عندما صلى بالناس صلاة


(١) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٣/ ٢٨٤) قال: قال ابن شهاب: "أول مَن بدأ بالخطبة قبل الصلاة معاوية".

<<  <  ج: ص:  >  >>