للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلًا نجد من الأدلة: "خَيْرُ الشُّهود الذي يشهد قبل أن يُسْتشهد" (١).

وفي حديثٍ آخَرَ: "شرُّ الشهود الذي يشهد قبل أن يُستشهد" (٢).

فهل هذا ناسخ للآخر؟ لا، فيُحْمل حديث: "شرُّ الشُّهُود الَّذي يشهد قبل أن يُستشهد"، على هذا الذي يتسرَّع في الشهادة في أمرٍ يَتَرتب عليه إلحاق ضررٍ بمسلمٍ، ويُحْمل حديث: "خَيْر الشُّهُود الذي يشهد قبل أن يُسْتشهد"؛ على إنسَان يعلم بوجود حقٍّ لأخيه المسلم لو كَتَمه لتضرر، فيأتي فيُعْلنه، فيترتب عليه خيرٌ لأخويه، لأخيه الذي عنده الحق بأن يخرج ذلك الحق من عنده، ولصاحب الحق ليتمتع به، ويستفيد منه، وبذلك أَمْكَن الجمع بينهما.

وكذلك أيضًا وردت أحاديث كثيرة منها: "فِرَّ من المجذومِ فراركَ من الأَسدِ" (٣)، والأحاديث الأخرى التي تدل على خلاف ذلك (٤) وهكذا، فالمنهج الصحيح في ذلك أن يسلك دائمًا مسلك الجمع؛ لأن الجمع بين الأدلة سَوَاء كانت في الكتَاب أو في السُّنة؛ فإنه يُعْمل بالأدلة عمومًا،


(١) أخرجه مسلم (١٧١٩)، عَنْ زيد بن خالدٍ الجهنيِّ، أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألَا أُخْبركُمْ بخَيْر الشُّهَداء، الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها".
(٢) قَالَ الأَلْبَانيُّ في "الضعيفة" (٤٨٦٧): لَا أَصْلَ بهذا اللفظ. . . ثم قال: "وأَقْرَب الألفاظ إليه حديث أبي هُرَيرة مرفوعًا بلفظ: "خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم"، واللَّه أعلم؛ أذكر الثالث أم لا، قال: "ثمَّ يخلف قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا"، أخرجه مسلم (٢٥٣٥).
(٣) أَخْرَجه أحمد (٩٧٢٢)، وَصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "الصحيحة" (٧٨٣).
(٤) منها ما أخرجه البخاري (٥٧١٧)، ومسلم (٢٢٢٠)، عن أبي هُرَيرة -رضي اللَّه عنه- قال: إنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة"، فقال أعرابيٌّ: يا رسول اللَّه، فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها؟ فقال: "فمَنْ أعدى الأول؟ ".
وانظر في الجمع بين هذه الأحاديث "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة (ص ١٦٨) حيث قال: "ونحن نقول: إنه ليس في هذا اختلاف، ولكل معنى منها وقت وموضع، فإذا وضع بموضعه، زال الاختلاف".

<<  <  ج: ص:  >  >>