للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذين قالوا بأنه لا يقطع الصلاة؛ رَأَوا أن هذا الحديث وهو: "الكَلْبُ الأَسْوَد، والمرأة، والحمار يقطع الصلاة"، منسوخ، وهذا غير صحيح؛ لأن دعوى النسخ إنما يُنْتَقل إليها عندما يتعذر الجمع بين الأدلة، والجمع هنا ممكنٌ، فيحمل ما ورد في هذا الحديث على نقصان الصلاة، وبذلك تلتقي الأدلة، ولا معارضة بينهما.

ودعوى النسخ أيضًا تحتاج إلى معرفة التاريخ، إذ بها يتبين المتقدم من المتأخر، ولا يلزم أيضًا أن يأتي دليل متأخر عن حديث متقدم فيكون ناسخًا؛ لأنه قد يكون مخصصًا له، وقد يكون مطلقًا له، وقد يكون متضمنًا حكمًا آخر.

فالمَسْألةُ لَيْسَت على إطلاقها بأن يُدَّعى بأن حديث عائشة وما في معناه (كحَديث الفضل بن العباس (١)، وحديث عبد اللَّه بن عباس (٢))؛ أنها ناسخةٌ لحديث قطع الصلاة؛ لأنَّ هذا يُلْجأ اليه إذا تَعذَّر الجمع (٣).

فَالعُلَماءُ قَدْ وضعوا مسالك، ووضعوا موازينَ دقيقةً في ذلك، وأنه عندما يُوجَد تَعَارضٌ بين دَليلَين دائمًا يُحَاول أن يُوفق بينهم.


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) يُنظر: "المجموع" للنووي (٣/ ٢٥١)، حيث قال: "وأما الجواب عن الأحاديث الصحيحة التي احتجوا بها، فمن وجهين:
أصحهما وأحسنهما: ما أجاب به الشافعي والخطابي والمحققون من الفقهاء والمحدثين: أن المرادَ بالقطع القطعُ عن الخشوع والذكر للشغل بها والالتفات إليها، لا أنها تفسد الصلاة. قال البيهقي رَحِمَهُ اللَّهُ: ويدلُّ على صحة هذا التأويل أن ابن عباس أحد رُوَاة قطع الصَّلاة بذلك، ثم رُوِيَ عن ابن عباس أنه حَمَله على الكراهة، فَهَذا الجواب هو الذي نعتمده.
وأمَّا ما يدَّعيه أصحابنا وغَيْرهم من النسخ، فلَيْس بمقبولٍ، إذ لا دليل عليه، ولا يلزم من كون حديث ابن عباس في حجة الوداع وهي في آخر الأمر أن يكون ناسخًا، إذ يمكن كون أحاديث القطع بعده، وقد علم وتقرر في الأصول أن مثل هذا لا يكون ناسخًا مع أنه لو احتمل النسخ لكان الجَمْعُ بين الأحاديث مقدمًا عليه، إذ ليس فيه رد شيءٍ منها، وهذه أيضًا قاعدةٌ معروفةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَم".

<<  <  ج: ص:  >  >>